الوحدة : 11-6-2021
على تلك المساحات البيضاء الفارغة،على جدران المدارس وأسوار البيوت وحيطان أبنية المؤسسات الحكومية، وعلى أرصفة الشوارع والحدائق، هنا يضع ذلك الشاب المراهق بصمته ومكنونه الداخلي وخواطره العاطفية الغضّة العابرة، حيث أنه من خلال تلك الجُمل الشاعرية يُفرغ ما بجعبته من مشاعر، ويعبّر عن حرية قراراته وتصرفاته، وهو على يقين أنها تصرفات صبيانية، وطيش عاطفي باتجاه الجنس الآخر، وفتاة أحلامه المستقبلية التي يهواها، أو انتزاع لقب تاريخي صُميدعي يضعه فوق اسمه الحقيقي معبراً من خلاله عن اكتمال رجولته أمام أقرانه مثل (العرندس .. أبو صخر.. أبو النار)، وغير ذلك من الأسماء الصاخبة.
ومن خلال المنظر العام الذي يشوب تلك الجدران يتبادر إلى أذهان الآخرين بأنه سلوك غير طبيعي يحكُم العلاقة بين الفتى المراهق مع ذلك الجدار، وما يدور في فلكه من أحرف وعبارات، فمن يهوى بكامل وعيه وإرادته يُفترض أن يرافق تلك المشاعر نوع من الغيرة على سمعته وسمعة الفتاة التي يُحب، أما الأسماء الرجولية وأوزانها المختلفة فهذه يحكمها عقل رصين واعٍ يستوعب ذلك البأس إن كان موجوداً حقاً، وهذا السلوك والتكلّم عبر الجدران يعود إلى أصل التربية المنزلية وتوجيه الأبناء لممارسة التصرّفات العقلانية الأخلاقية السامية من خلال التحكّم بالمشاعر والعواطف، أما الجهة الأخرى التي من خلالها تتم تنمية وتعزيز القدرات الأخلاقية والتوعية هي المدارس، حيث يتم زرع الأفكار والتعاليم الأخلاقية والتربوية الصحيحة منذ بداية مراحل التعليم الأولى، فالمدارس وأجواؤها هي الطبعة الأولى التي تترسّخ في ذهن ذلك الولد أو المراهق، واختصاص المدارس التربية أولاً، ومن ثم التعليم، لكن الفشل في التربية هو سيد الموقف في الكثير من الأحيان لطالب يضع بصمته على جدار مدرسته من خلال تلك الأشعار والعبارات القبانية، ضارباً عرض الحائط ما تم تعليمه وتلقينه حول التربية والأخلاق الحميدة والحفاظ على المُلك الخاص والعام، علماً أن لكل مدرسة مُرشد نفسي اجتماعي من الضروري أن يلعب الدور الأهم في تنمية الأفكار والقيم الأخلاقية، والابتعاد عن الشذوذ بأنواعه.
وبالمقارنة مع عقودنا الماضية حيث كان المريول وبدلة الفتوة هما المسيطران على هيئة الطلاب، كنا نهاب ونخاف حتى النظر إلى الفتيات، وكان التعليم أقسى وأنبل وسيد الصف المدرسي أو المعلم هو (نمرود) بالمعنى الإيجابي طبعاً، خلال المرحلة الابتدائية كانت إحدى عقوباته لطالب كسول أو مشاغب هي إرغامه على الجلوس بجانب زميلته الطالبة، وهذا الأمر كان أصعب من عقوبة الفلقة، كان بمثابة إهانة كبيرة أمام أقرانه، أمّا وإن وصلت هذه العقوبة إلى ذوي الطالب المعاقَب فهذه كارثة أخرى، نذكر أيضاً أن جدران القاعات أكثر نظافة وألقاً من جدران منازلنا، وكانت هناك مقولة متداولة أن الجدران هي دفاتر الكُسالى والمجانين، والويل ثم الويل لطالب يكتب لو حرفاً واحداً على المقعد أو الجدار، فهو تحت مِقصلة العقوبة بكل تأكيد، والأكثر إلياماً كان وصول أخبار العقوبات إلى الأهالي عن طريق المدرّس نفسه لأنه كان يعرف جميع أهالي الطلاب وهو مدرّس جميع المواد وحتى مادة الرياضة والموسيقا أي أنه عبارة عن معهد تدريسي وتربوي متكامل.
وبالعودة إلى تلك الكتابات التي شوّهت المنظر العام لأغلب الأماكن، أصبح من الضروري القيام بردع أصحاب تلك العبارات، وقد تطورت وأخذت منحى آخر أكثر قسوة من خلال وجود عبارات شتم وقدح وذم لمن يرمي أكياس القمامة بجانب المنازل ومداخل الأبنية، وكل ذلك على مرأى أصحاب الشأن في البلدية وقطاعاتها المتنوّعة، فلماذا لا تستخدم سلطاتها القمعية لهذه الظواهر غير الأخلاقية في تشويه المنظر العام للمدينة وفرض عقوبات وغرامات للمرتكبين من خلال وضع شاخصات تتضمّن عبارات تحذيرية شديدة.
سليمان حسين