عودة الأمل لشعب يتقن فن الحياة ولا يعرف سوى الكدّ والتعب

http://youtu.be/F2Mn5mJFMDk

الوحدة : 6-6-2021

هذا هو صيفنا الذي ننتظر ،ننتظر قدومه بعد عذابات وانهماكات وكدّ وخشيات لما زرعنا وشتلنا، نتأمل حنان الطبيعة على أرزاقنا ،نتأمّل مرور أيام صيفية عادية بلا جفاف أو حرّ يقسو على تلك البراعم والأوراق الغضّة الندية ،كما أننا نخاف مرور غيمة سوداء في غير أوانها تنهي دفء مزروعات تهوى شمس الصيف ،فتستكين نضارتها لقسوة تلك الرطوبة التي أتت بغير وقتها فتقتل زهرها وعبيرها،غيمة تقسو على غلالنا الصفراء من الزرع المحصود سواء كان قمحاً أم شعيراً أم عدس وغيره من حبوب يحبّها بني البشر ،ويلهو بنقلها النمل المجتهد المخلوق الاجتماعي الذي يشبه أبناء البشر بالفطرة وبالعديد من الصفات ،فهو مثلنا تماماً هذه أيام الجناية لديه ،كذلك نحن هذه أيام نجني محصولنا الأصفر الذهبي، قاتل الفقر والجوع باني المجتمعات ومحيي كل دابة على الأرض، (القمح) أو الحنطة، فمنذ عقد من الزمن كان هذا المحصول عتاد بلدنا وقوة وجبروت مجتمعنا ،لقد سرنا كما بشّر وأوعز القرآن الكريم وسلكنا نهج سيدنا نبي الله يوسف وقصّته مع حاكم مصر ورؤيته حول سني الوفرة والسبع العجاف، وكل ذلك كان عِبرة لبني البشر، وكان أول من سار على ذلك النهج هو عظيم أمتنا الراحل المؤسس حافظ الأسد، تحديداً في ثمانينات القرن الماضي عندما أطبق على بلدنا حصار عالمي جائر ليضعف بلادنا ومقدراتها فما كان من القائد الراحل سوى تطبيق نهج وسياسة زراعة كل شبر من تراب المعمورة بالقمح حتى أصبحنا من الدول الأولى بإنتاجه، فوصل الإنتاج إلى أكثر من ٣،٥ ملايين طن، وهو ما يزيد عن الحاجة ويصدّر جزء منه للخارج، وبذلك كسرنا حاجز الجوع وأصبحنا نعطي من تلك الغلال الوفيرة لدول فقيرة و(شقيقة) وبالمجان.

أمّا وقد أطبق على غلالنا وسِللنا حصار أحمق من عدو مغتصب وآخر شقيق بالمواطنة كنّا ملاذه وملجأه يوم كان نكرة العالم ودول الجوار، وطّناه في أخصب المناطق الزراعية والثروات الباطنية وبين صوامع الحبوب وتحديداً في جزيرة الحياة السورية موطن سلّة قمحنا وحياة مواطنينا ولقمة عيشنا، فبادر إحساننا بالغدر، طِعانه كانت قاسية وغدره كان علقماً، فقد ظَلم وتجبّر وأنكر وفَتَك بعَلم الدولة الذي كان غطاءه وملاذه، لذلك نحن الآن بأمس الحاجة لتلك البحصة التي تسند جرّتنا، الجرّة التي تكالبت عليها الذئاب والضباع المتعطّشة للدم العروبي.

وهناك أنموذجان متشابهان بكل شيء تفرقهم المسافة الطويلة فقط، ففي قرية بيت خميّس بريف الدريكيش هناك موطن مهم للزراعات بكافة أشكالها وأهمها القمح هم يعطون الأرض حقّها رغم وعورة أراضيها، عمل أهلها على مقارعة واقتلاع الصخور العنيدة لتتّسع مساحة الحياة وتراب الزرع، أهل هذه القرية يعيشون إخوة متحابين يتمثّل البأس والعنفوان بشيبها وشبابها قدّمت للوطن قرابين وأبطالاً، تتربع على هضبة تشوبها أرياف وصخور، وعند الدخول بين حواريها ينتابك شعور آخر هو أزلي لكنه واقع موجود، منازلها الريفية المتواضعة تعطي فكرة حتمية عن عفوية سكانها وتعلّقهم بتقاليدهم وعاداتهم المتوارثة، وكل ذلك لم يمنع شبابها من الوصول لدرجات متقدّمة من العلوم والثقافة ،فأهل تلك القرية عادوا للحصاد عادوا ليكونوا بنّائين مزارعين، بيادرهم حاضرة لاستقبال مواسم الحصاد والدرس سواء بأدوات حديثة أم قديمة يدوية، أراضيهم يشوبها الخير، بين زيتونها يزرعون كل أنواع الخضروات الحقلية مدرّجاتها وواديها الخصيب يقدّم أشهى المحاصيل وصنوفها.

أما الأنموذج الآخر فهو في قرية عين شقاق بداية الريف الجبلي لمدينة جبلة، حيث أن الزائر لتلك القرية تتجمّد مشاعر تأمل تلك الطبيعة برؤية عشرات الصور لشباب بعمر الورود، ضحوا بأرواحهم فداء لوطنهم وأهلهم، وهذه القرية هي وادعة بأهلها وطبيعتها، خصوصيتها تنبع بجودة ترابها وغناها بالمياه، سكانها على دراية بالوضع الاقتصادي، فقد قاموا بجعل قريتهم بخضرة دائمة، مزروعاتهم الحقلية جعبة كبيرة من كافة الخيرات، قاموا بنسف أراضي البور وتحويلها إلى مروج ومسطحات، موسم القمح وزراعته كان له مجد كبير بين تلك الحقول والمنازل، عادت لهم سلّة مهمة ذات قيمة ومردود جيد، أصبح أهلها يتناغمون مع الأنواع الجيدة المعطاءة من القمح ومسمياته، عادت دورة الحياة وجني الغلال والمواسم المتعدّدة، وهكذا ستبقى بلادنا غنية بأبنائها فقط وليس بأبناء الجلب، فالقمح والعمل الصالح لا ينبتان إلا في أرضٍ طيبة.

سليمان حسين

تصوير- باسم جعفر

تصفح المزيد..
آخر الأخبار