وقال البحر… العلاقات العائلية…

الوحدة 20-4-2021

 

د. بشار عيسى

من نافلة القول بأن العائلة من أهم عوامل التربية السليمة والصحيحة، فالخبرة العائلية هي أول وأهم الخبرات التي يمرّ بها الإنسان في حياته، وربما يكون الدور الحاسم للعائلة في تشكيل سلوك الإنسان، وفي بناء شخصيته من القضايا القليلة التي لا يختلف بشأنها الاختصاصيون في عموم الأوساط التربوية والنفسية والاجتماعية، والعائلة لا تُشكل سلوك الفرد في مرحلة الطفولة المبكرة فحسب، وإنما في مراحل النمو كلها، وإذا كانت الخبرة العائلية تُرسم ملامح نمو الإنسان وقدراته وتكيفه، فهي كذلك تُحدد مدى استقلاليته ومفهومه لذاته ومستوى شعوره بالطمأنينة، ومن بديهي القول بأن العائلة نظام اجتماعي رئيسي يُشكل أساس وجود المجتمع، ومصدر الأخلاق فيه، ويُؤكد الخبراء بأن مؤسسة العائلة هي الوحدة الأساس في شتى المجتمعات البشرية بصرف النظر عن الفروق الثقافية، فالعائلة لا تعمل على تلبية الحاجات الأولية لكل فرد فيها فحسب، ولكنها تؤمن حاجاته الإنسانية الأخرى كالحاجة إلى الحب والانتماء وتنقل من جيل إلى جيل شتى العادات والتقاليد والقيم الروحية والموروثات الأخلاقية والثقافية المختلفة بعيداً عن كل تصلب أو تعصب أو حتى فوضوية وعشوائية.

سلبت الحياة البشرية في تطورها ونمط المجتمعات الحديثة في تسارعها العائلة وظائفها تدريجياً ولكي يتسنى للمرء فهم حقيقية الأدوار التي تقوم بها العائلة فينبغي التذكر بأنها فعلاً نظام ديناميكي والعلاقة بين كل فرد مع عائلته علاقة تبادلية ولا أحد يعمل بمعزل عن الأفراد الآخرين فالإطار المفهومي لنظام العائلة يشتمل على أربعة مكونات:

– المصادر العائلية وتمثل الوسائل المتاحة لإشباع الحاجات الجماعية لأعضائها.

– التفاعل العائلي ويشير إلى العلاقات بين أفرادها و المجتمعات المتفرعة حولها.

– الوظائف العائلية وتمثل الحاجات المختلفة التي تتحمل العائلة مسؤولية تلبيتها وتأمينها.

– مجرى حياة العائلة ويُمثل سلسلة التغيرات التي تطرأ عليها في المراحل المختلفة.

ومن المفيد الإشارة إلى أن الصراعات والمشاجرات هي أحد أوجه عدم الترابط العائلي بين أفرادها، مع مراعاة أن الصراعات عملية طبيعية في الحياة ما دامت في حدود معينة، وقد تكون للصراعات المستمرة والمتصاعدة والتي تحدث على مرأى ومسمع أعضاء العائلة انعكاسات سلبية كونها تدفع نحو إفقاد الأبناء احترامهم لآبائهم، وتوضيحاً لهذه النقطة فإن عدم الاستقرار الاقتصادي والصعوبات المعيشية والشجون الحياتية الأخرى تترك تأثيرات مهمة وخطيرة على نوعية العلاقات بين مختلف أفراد العائلة وخصوصاً بين الآباء والأبناء الذين قد تجنح بهم الحياة وتُولد لديهم مشاعر التقوقع والعزلة والاكتئاب.   

يُعرف الترابط العائلي الذي يُعد المرآة التي تعكس الطرق التي تتفاعل فيها النظم العائلية مع بعضها البعض بأنه الرباط العاطفي الذي يشد أفراد العائلة نحو بعضهم البعض من جهة واستقلالية الفرد في النظام العائلي من جهة أخرى، وعليه فمن الممكن تصور الترابط بأنه مدرج متصل أحد طرفيه التداخل وطرفه الآخر الانفصال، وفي حالك التداخل الكبير تكون حدود كل نظام في الحياة العائلية غير واضحة والتفاعلات العائلية التي يسودها التداخل الكبير غالباً ما تتسم بالتدخل المبالغ فيه والحماية المفرطة وهذا الجو لا يسمح إلا بقليل من الخصوصية وكل القرارات تتمركز حول العائلة كلها، وأما الحياة العائلية التي تتصف بانفصال أفرادها عن بعضهم البعض فهي تتسم بحدود صارمة تفصل النظم المكونة للنظام العائلي عن بعضها ومثل هذا النمط قد يترك تأثيرات سلبية عميقة على أفراد العائلة، ويُعد التوازن بين طرفي الترابط (الانفصال والتداخل) هو من خصائص العائلات التي تقوم فعلاً بوظائفها المجتمعية بشكل جيد حيث أن الحدود بين النظم واضحة وأيضاً الأفراد يشعرون بالارتباط العاطفي القوي من ناحية وبالاستقلالية والخصوصية من ناحية أخرى، ويُؤكد أهل الاختصاص بأن الروابط العائلية هي تفاعلات معقدة بين جملة من العوامل البيولوجية ويتحدد ترابط العائلة واستقرار حياتها في ضوء العديد من العوامل الداخلية والخارجية فالبيئة الاجتماعية كعوامل خارجية لها تأثير كبير على العائلة والمجتمع هو من يُشكل وينظم نمطها وشكلها ووظائفها، وأما فيما يتعلق بالعوامل الداخلية فهي تشمل طرق الاستجابة ومدى التجانس فيما بين الأفراد.

تصفح المزيد..
آخر الأخبار