(المطرة الخضراء) ورحلة البحث عن الأخلاق والأدب

الوحدة : 7-3-2021

في ظل الأزمة المتشعّبة التي تلاحق تفاصيل حياتنا اليومية بسبب الحصار الاقتصادي وتشعّباته والحرب التي فُرضت علينا سواء بأدوات محلية خائنة أو غير ذلك، وهذا الأمر كثُر الحديث عنه ولا داعي للدخول أصلاً في تفاصيله لأن الأمور قد تكشّفت للقاصي والداني وكذلك الخائن الذي ساهم بوصولنا إلى ما نحن عليه الآن، حيث مادة البنزين تُعد إحدى هذه الأزمات غير أنها ليست مفقودة بشكل كامل لكن ببساطة هناك أيدٍ ليست خفية تتحكّم بمجريات عملية التوزيع والتعبئة في بعض الأماكن، وسأذكر بأمانة ما حدث معي في ذلك اليوم (الزهري) وتفاصيله السريعة، فقد فرغت جعبة سيارتي من تلك المادة باستثناء الاحتياطي (الخط الأحمر) وهذا الوضع طبيعي بالنسبة لعملي وتطفلي في البحث عن المواضيع والهموم في المناطق ذات المسافات البعيدة والعودة في أغلب الأحيان بخفّي حنين، أي أنني حرقت ما أملك من المادة بدون فائدة تُذكر، علماً أنه وللأمانة قد تمت مساعدتي من شقيقين هم أحبة وأصدقاء لي، هما على دراية بخروجي البعيد لإنجاز عملي حتى أنني أصل إلى قريتهم البعيدة، وقد وصلت بي الأمور في يوم ليس بعيداً، تحديداً نهاية الأسبوع الماضي حيث قررت الركوب (بالأخضر) للبحث عن عدة لترات توصلني إلى برّ إحدى المحطات والسهر كغيري من المتعبين والتعبئة عند قدوم المادة ، فكانت محطتي الأولى في كازية حيدرة، نزلت من الباص الأخضر وبيدي تلك المطرة الخضراء ذات الثلاث لترات فشرحت لشاب من عمّال تلك المحطة قصتي واستقبلني بشكل عادي وقال لي إن هذا مخالف لكن إذا كان معك بطاقة السيارة يمكنني أن أعطيك من مخصّصاتها، لكن مع الأسف لم يخطر ببالي أن آخذها كوني سأجلب لترات ثلاث أو أربع ولا يمكنني أن أُضحّي بسبعة أيام من أجل كمية قليلة تؤمن وصولي إلى محطة ما وقد تنجيني من احتراق (الطرنبة) فاقتنعت وخرجت من المحطة برضى تام لأن ذلك الشاب قد شرح لي بأدب وجهة نظره.

وصعدت الأخضر الذي كان ينتظرني بجانب المحطة لأخذي إلى محطة عنتر، وقد انشرح صدري برؤية شاب يلبس بنطال عسكري (مموّه) ينظّم التحرك على الطريق العام كما أنني أجيد التعامل معهم لأن مصيري كان بيوم من الأيام يشبه مصيرهم وتعرّضّت لخطر الموت مثلهم وأكثر وجسم سيارتي شاهد على دنو أجلي بيوم من الأيام لكني كنت أسرع من تلك القاتلة بشبرين فقط، والمهم أنني وصلت إليه وكان استقباله لي يشبه (العنتريات) عند رؤيته تلك المطرة اللعينة فدلّني لـ (أبو أحمد) من (التموين) عندها أيقنت أنه عبارة عن مظهر لعسكري ليس إلّا، فدخلت حرم وقدسية المحطة وسألت شاباً يقوم بالتعبئة أين أبو أحمد موظف التموين فقال لا يوجد هكذا اسم من جماعة التموين، لكنه دلّني على (أبو عنتر) يجري مكالمة، وعندما فرغ من اتصالاته الدبلوماسية عرّفته بنفسي طالباً منه المساعدة، فصرخ بصوت يشبه راعي الغنم مخاطباً عمّال المحطة من بعث (هذا لي) مشيراً إلى جثتي الكبيرة ورنين صوته لا زال يتغلغل بطبلة أذني المثقوبة، فأصبح جميع المتواجدين على تلك المحطة يرمقني وينظر إلى الصهريج الأخضر الذي كان بيدي، علماً أن ذلك التمويني هو الذي ينظّم عملية عودة السيارات المخالفة رجوعاً بمساعدة بنطال ذلك الشاب المموّه الذي كان يُدخل السيارات والذي توسّمتُ خيراً منه، لكنه كان أداة العمليات الخارجية على ذلك المحور من جبهة عنتر التي جعلتني أمقت مهنتي بالدرجة الأولى وسيارتي ثانية، وعدتُ أدراجي مشياً وليس بمخيلتي إلّا تلك العنتريات التي رأيت.

وكان قبل ذلك بيوم مؤتمرنا السنوي بوجود السيد المحافظ وكانت تلك المشكلة موجودة بين يديه فأكرمنا بالتوجّه إلى محطة للتعبئة ليريحنا من عذاب كبير، حيث تواصلت عبر النت مع السيد بسام إبراهيم مدير مكتب السيد المحافظ الصحفي فقال أنه تم تخصيص كازية اتحاد الفلاحين جانب الكراج الشرقي فاتجهت إلى هناك بغبطة أنستني ما حدث معي بمحطة (العنتريات) وعيني تارة على الطريق وتارات كثيرة على مؤشر البنزين الذي وصل إلى منتصفه الأحمر، وعند وصولي للمحطة بدأت أتفرّج إلى الأنواع الفخمة من السيارات التي تأخذ جميع أنواع الوقوف، بحثت عن مسؤول المحطة فوجدته يتكلم بهاتفه داخلاً وخارجاً بين أزقّة السيارات هارباً من ملاحقيه فأمسكت به وشرحت طريقة وجودي هنا بوجود زميل آخر لي … الشيباني، وضابط عقيد من أعز أصدقائي، فقال : حتى أنتم الصحافة؟، فوضع تلفونه تحت إبطيه وبدأ بالعد على أصابعه: (جيش، ضباط، شرطة، محامين، قضاة، مهندسين ووووووو، فركبت مركبتي العطشى باحثاً عن أقصر الطرق للوصول إلى مكان أركنها به إلى يوم الفرج المُنتظر، مستذكراً ومقارناً طرق التعامل مع الناس وخاصة في الأماكن البعيدة حيث تعاملهم ينمّ عن تربيتهم المنزلية الخلوقة وخاصة على محطة السرسكية وزغرين والدفلة في البسيط وغيرها على طريق عام جبلة يقدّرون الإنسانية وسواسية المواطنة والتصرّف بلباقة.

سليمان حسين

تصفح المزيد..
آخر الأخبار