الوحدة 26-1-2021
الغربة لا تعني فقط بُعدك عن أهلك ووطنك وأرضك، لا تعني فقط الاستغناء عن الحياة الاجتماعية في مكان لم تألفه أو تعايشك مع عادات لم تعتدها.
هناك مفهوم آخر لها، أو بالأحرى هناك غربة من نوع آخر، هي أشد وقعاً على الروح وأقسى! تلك غربة مجتمع، هي غربة روحك عما حولك… هي أن تكون مختلف في مجتمع لا يقبل الاختلاف!
هي أن تتملكك الوحدة وأنت بين عشرات الأشخاص، في محيط لا ينتظر منك سوى الانقياد، كن مثلنا أو لن تكون! هنا تقبع (الغربة الحقيقية) التي لا مناص منها ولا خلاص!
هناك حيث اللقاءات الاجتماعية كحفلات تنكرية يتفنن فيها الحاضرون بارتداء أقنعة الرقي والمثالية والتحضر، ويتهاتفون فيها بعبارات التملق، وإن لم يكن معك قناع لن يسمح لك بالدخول، ولا يقبل منك الحضور، وستغدو بالتأكيد منبوذاً…
فصاحب الحظ السعيد بينهم من يتقن الدور ببراعة، ويلفت الحضور باللباس المرموق والكلمات الثعلبية، التي هي في الواقع (تمسيح جوخ).
هناك حيث عليك الاهتمام بالقشور وتعلم فن التمثيل والكلام المعسول،
هناك، الصراحة وقاحة، والرأي الآخر تنمّر، هناك عليك المشاهدة والقبول بما هو مطروح، لا تناقش، لا تعارض وإلا أنت بينهم مرفوض، هناك حيث عليك الرضوخ والمشي على خطواتهم لتكون مقبولاً!…
تلك غربة لا ينفع معها قطع تذكرة الطائرة والعودة إلى المألوف.
عبير حميرة