الوحدة 21-1-2021
مشكلة الإيجار قضية عامة استفحلت مؤخراً إلى حد التّورّم والتّسرّطن وصارت بحاجة إلى مشرط الخبير للعلاج, إيجارات مرتفعة تحلق في عنان السماء بينما دخل المواطن المسكين يغوص في القيعان والمنخفضات والدَين, ولا أمل في الالتقاء والتوفيق بينهما, وملكية البيت صارت حلماً عصياً بعيد المنال للمواطن العادي, ومعظم المستأجرين والذين لا يملكون منازل من الفقراء وأصحاب الدخل المحدود والحيل المهدود والظهر غير المسنود, وغدت أزمة السكن بؤرة مؤرقة مولدة للمشاكل الاجتماعية والخلافات والمشاحنات بين المؤجر والمستأجر, وانتقال تداعياتها العكسية إلى داخل الأسرة وبين الزوج والزوجة وتأثيراتها النفسية السلبية على الأولاد ودراستهم وحياتهم ومستقبلهم.
أسعار المساكن شهدت قفزات متتالية وكبيرة ولأسباب متعددة منها عدم توفر الأراضي اللازمة للبناء داخل المدن واختلال معادلة العرض والطلب والاحتكارات والمضاربات واتساع الفجوة الحاصلة بين النمو السكاني والنمو الإسكاني وتأثر مواد البناء بالارتفاعات الكبيرة في الأسعار والانخفاض الشديد في القدرة الشرائية للمواطن, وقد ساهم الغلاء الفاحش والتضخم غير الواقعي والارتفاع الحاد في أسعار الإسمنت والحديد وسائر مواد البناء وانتهاج سياسات إسكانية خاطئة واعتباطية وغير مدروسة ومساهمة الدولة بشكل غير مباشر في الأزمة برفع أسعار الإسمنت ما أدى إلى ارتفاع أسعار المنازل والمحال التجارية بدون ضوابط أو رقابة على قاعدة: (كل مين إيدو إلو) وصار المواطن كبالع الموس على الحدين, المؤجر من جهة, والحكومة من جهة أخرى.
تفاءل المواطن خيراً بالمساكن التي تبنيها المؤسسة العامة للسكن لكن الآمال والأحلام طارت أدراج الرياح, وقد أدى تباطؤ مؤسسة الإسكان في تجهيز وتسليم المساكن المكتتب عليها من قبل المواطنين لعشرات السنوات إلى تفاقم الأزمة وعدم قدرة المواطن البسيط على تحمل وتسديد فرق الأسعار عند التسليم (ولو كان تقسيطاً) واضطرار الكثيرين منهم إلى بيع شققهم قبل الاستلام حيث يتجاوز القسط الشهري راتبه الشهري, وكذلك مماطلة وتأخر الجمعيات السكنية في إنجاز عقاراتها تحت ذرائع شتى, حيث ساهم الارتفاع الجنوني في أسعار المساكن في تصعيد وتعقيد المشكلة وخروجها عن السيطرة والحل وعادت أحلام المكتتبين باقتناء المساكن بخفي حنين.
كثرة المكاتب العقارية التي تعمل بدون ترخيص وكثرة الدخلاء على المهنة وخاصة في الأحياء الشعبية البعيدة عن مركز المدينة وكثرة السماسرة والدجالين حيث صارت للتعيش والتكسب والاسترزاق والنصب والاحتيال أحياناً, ومهنة من لا مهنة له, ساهموا في تمييع السوق وتفاقم مشكلة الإيجار والسكن وارتفاع إيجار المساكن إلى ما فوق المستطاع والوصول بها إلى نقطة العقدة التي أعيت التجار, ناهيك عن الالتفاف على الدولة والقانون والمواطن عبر إيجار المنازل والمحال التجارية بعقود وهمية بين المكتب العقاري والمواطن, والنتيجة خسارة خزينة الدولة الكثير من الإيرادات المحققة.
إن تلبية الاحتياجات السكنية للإنسان من أهم عوامل الاستقرار النفسي والاقتصادي.. ما هو مصير الشباب المقبلين على الزواج والذين أغلب دخلهم ودخل أسرهم يقبع تحت خط الفقر والعنوسة تحاصرهم من كل جانب..؟!
المطلوب تدخل حكومي عاجل لمواجهة أزمة السكن وتوفير المسكن اللائق للمواطنين وتقليل التقلبات في سوق العقارات لتخليص المواطنين من جشع واستغلال المؤجرين, وانتهاج سياسات إسكانية رشيدة ومدروسة وإنجاز المخططات التنظيمية العالقة في المدن والبلدات وإشراك القطاع الخاص في مشاريع الإسكان الوطنية وإيجاد البيئة القانونية والتشريعية وسن القوانين اللازمة للتطوير والاستثمار في مضمار السكن لتمكين المستثمرين من العمل ببيئة استثمارية آمنة وجاذبة للتنفيذ بأفضل الشروط وأقل التكاليف.
نعمان ابراهيم حميشة