هكذا عاد… لـ (ربى منصور)

الوحدة 19-1-2021

 

لا أذكر أنني قرأت فيما مضى مثل هذا.. ربما الحكاية بسيطة ومكررة، لكن الوصف الدقيق لاختلاجات النفس البشرية وما يعتريها من تبدلات وتناقضات امتاز بإبداعية تحليلية فكرية بها قلما وصلت إليها أعمال كبار الكتاب… بهذه الكلمات قدّم الشاعر جميل عزيز محفوض رواية الكاتبة ربى منصور (هكذا عاد بفستان أصفر ومتغيرات) موضحاً أن ربى منصور في روايتها المذكورة تدخلنا متاهة التفاسير الغامضة التي تسمى النفس البشرية من خلال علاقتها بهذا العمل الإبداعي وتجعلنا نحار في تلمس حدودها المكانية والزمانية في الرواية فتارةً تخرج من صفحات الرواية وتجلس معنا تراقب أبطال روايتها كيف ينسجون مشاعرهم فيما بينهم وتارةً أخرى نشاهدها تغوص في أمواج العلاقات الشائكة لشخوصها وهم يضجون بالحياة، ويكرهون ويعشقون ويحلمون… وفي معرض حديثه أضاف أن (هكذا عاد) رواية جميلة وهي جديرة بالقراءة والاقتناء وأناس الرواية بشر يخرجون من رائحة أوراقها خائفين، عاشقين حالمين بالحياة ومتمسكين بها رغم القهر والدمار الذي يطال كل شيء عذب.

وقد خلقت ربى منصور عوالم وشخوصاً تعشق وتناجي وتحلم وتتوجع وتطمح وتبكي وكأن الروح على الورق تنبض وتصير (بشراً سوياً) وهي تنثر عليهم رذاذ البهجة والتفاؤل والحب الشفيف بأسلوب شيق يشد القارئ ليلاحق الأحداث إلى آخر كلمة بآخر سطر منها…

بأِسلوبها السردي الشيّق جعلتنا الكاتبة ربى منصور من خلال روايتها الآنفة الذكر نبحر من الصفحة الأولى حتى الصفحة (174) دون شعور بالزمن فالأسلوب المتميز الذي اتبعته الكاتبة في سردها للأحداث يشد القارئ ويجذبه ليتابع الأحداث وتجعله يعيش حالة من الترقب لمعرفة ما ستؤول إليه تداعيات كل شخصية على حدة فمن شخصية صهاب إلى عادل وماغي وأم مزنة مبيّنة التطورات التي تطرأ عليهم في التفكير والرؤى ووجهات النظر المختلفة.

تقع الرواية في (174) صفحة من القطع المتوسط صادرة عن دار للنشر والتوزيع ضمنتها بداية إهداء إلى كل أحبتها وإلى كل من التقتهم ومن لم تلتق بهم على دروب الخير والمحبة… تدور الرواية بمجملها حول تأثيرات الحرب الكونية التي تعرضت لها سورية وانعكاس هذا التأثير على مواقف الشخصيات وتطلعاتهم وآرائهم وأفكارهم وتفاعلهم مع الواقع المحيط بهم.. وقد ضمّنت المؤلفة أيضاً روايتها بمقدمة أرادت من خلالها إيصال فهم شامل وتوضيح لمعالم الرواية وقد وُّفقت باختيارها لنمط الشخصيات الروائية التي اختارتها وذلك من خلال درايتها بتفاصيل الظروف الاجتماعية المحيطة الأمر الذي أعطى الشخصيات بعداً فكرياً إنسانياً اجتماعياً وقد قالت الكاتبة في مقدمة روايتها:

أكمل (س) إحدى جولاته الميدانية في نهار مشمس، نسيمه معتدل البرودة وبينما كان يرف في أحد شوارع اللاذقية تذكر أنه لم يحمل معه، نفحاته الإيجابية عبثاً، كان قد نوى نثرها حول أي إنسان، مسالم يعيش حالة عادية- ليؤدي رسالته البيضاء في حياته النوعية تلك.

هنا رأى امرأة تحمل كيساً مرتدية فستاناً أصفر وتمشي ببطء مثل (قطة) التهمت فأراً. ما جعله يتبعها عيناها الحزينتان.. في اللحظة التي ابتهجت فيهما تلكما العينان- إثر نثر بعض النفحات الإيجابية حول رأسها وقرر أن يتلصص على المرأة التي تدعى ماغي- ويرسل كل ما يتعلق بها وبمن يتواصل معها ويرافقها إلى لؤلؤته العملاقة حيث اعتاد تقديم الهدايا لأقرانه فور وصوله إليهم من السفر وقد اقتطفنا من الرواية الحوار الآتي بين (ماغي) و(عادل): بلا شك كان عادل أكثر إشراقاً وحيوية، يصفّر ويدندن بفرح غامر مع موسيقا كان تنبعث من CD في السيارة وهو يزلق محور عجلة القيادة بانسيابة وراحة إلى اليمين واليسار، غافلاً حتماً عما يدور في سريرة ماغي من حزن كان يتكاثف تدريجياً من غير هواده.

وبغتة سألته: ما قولك؟ هل تعود؟ مَنْ؟ أيام زمان.

حيث كنا نذهب إلى أي مكان بحرية، ولا أحد يخاف من أحد.

بعيداً عن الوضع الراهن ما يذهب لا يعود أبداً.

قد يأتي المستقبل بلمحة، بلون مشابه، بتفصيل صغير من المشهد الكامل، بجملٍ قليلة، من حديث طويل عابر ولكن أي أمر أو شيء لن يأتي مطابقاً لما حدث في الماضي.

وبدا جوابها كأنها لم تسمع ما قاله، بصوت أخفض من صوتها العادي قالت: هل تذوقت (الديس) يوماً؟ ياه!، كم أفتقر إليه وأحن إلى طفولتي عندما كنت طفلة كانت السيارات قليلة.

بوسطة واحدة كانت تُقل وتخدم أهل ضيعتنا، وأخرى كانت تذهب من أجل ضيعة أبعد.

كم كان الأمر ممتعاً وساحراً!

في اللحظة التي ننزل فيها من (البوسطة) كنت أخلع حذائي أنا وأخي ونتسابق حافيين على الطريق والذي يصل قبل الآخر إلى شجرة (الديس) عند الساقية، ينتظر وصول أمي لتعطيه مكافأة عشرة قروش أو ربع ليرة إذا كان صبوراً  لم يقطف حبات الديس قبل وصولها…

ندى كمال سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار