الفضاء والصّراع في مسرح سعد الله ونّوس

الوحدة: 18- 1- 2021

 

يُعدُّ الفنُّ المسرحيُّ أبا الفنونِ جميعِهَا، وهوَ فنٌّ مُتكامِلٌ تجتمعُ فيهِ عواملُ عديدةٌ حتَّى تُخرِجُهُ بأفضلِ صورةٍ، وجوهرُ هذا الفنِّ هو النَّصُّ المسرحيُّ؛ الَّذي يتألّفُ من مجموعةٍ من العناصرِ الَّتي تتضافرُ فيما بينَهَا لإنتاجِهِ، ومن هذهِ العناصرِ: الفعلُ الدّراميُّ، والحبكةُ، والشّخصيَّاتُ، والحوارُ، والفضاءُ، والصّراعُ، وهي الَّتي تُشكِّلُ البناءَ الدّراميَّ للنصِّ المسرحيِّ، وعندَ دراسةِ أيِّ عنصرٍ منهَا لا بُدَّ في مواضعَ عديدةٍ من التّماهي والذّوبانِ معَ العناصرِ الأخرى.

هذا ما تصدى له الباحث حسن صالح الحسن المصري في رسالة أعدت لنيل درجة الدكتوراه في قسم اللغة العربية تحت عنوان الفضاء والصّراع في مسرح سعد الله ونّوس، التقيناه لنقف عند تفاصيل بحثه .

-إنَّ العلاقةَ بينَ المؤلّفِ المسرحيِّ والفضاءِ الدّراميِّ علاقةٌ وثيقةٌ ماذا عنها إذ يعدُّ المُؤلّفُ المسرحيُّ الفضاءَ الدّراميَّ العنصرَ الرّئيسَ المشكّلَ لنسيجِ العملِ الدّراميِّ، ويرتكزُ الفضاءُ الدّراميُّ على دعامتَين رئيستين هما: المكانُ والزّمانُ، فيُشكِّلُ الفضاءُ بؤرةً واسعةً مُتضمّنةً مفاصلَ المكانِ الدّراميِّ وجزئيَّاتِهِ، وحيّزَ الزّمانِ الدّراميِّ وحدودَهُ. يُعدُّ المكانُ الدّراميُّ مُدرَكاً حسِّيّاً، لكنَّهُ ((لا يتوقّفُ حضورُهُ على المستوى الحسِّيِّ، وإنَّما يتغلغلُ عميقاً في الكائنِ الإنسانيِّ، حافراً مساراتٍ وأخاديدَ غائرةً في مستوياتِ الذّاتِ المختلفةِ)) تميّزَ المكانُ الدّراميُّ في مسرحِ ونّوس بحالةٍ من النّزاعِ، مثلما حدثَ في مسرحيّةِ (حفلة سمر من أجل 5 حزيران)، فقد احتلَّ المتفرّجونَ خشبةَ العرضِ وصالةَ المسرحِ. فنشبَ نزاعٌ على المكانِ بينَ المُخرجِ الَّذي عَمِلَ جاهداً كي يسيطرَ على المكانِ، ويستعيدَهُ ممّن اغتصبُوهُ، والمتفرّجين الَّذينَ أصرُّوا على البقاءِ في المكانِ،واستطاعَ ونّوس من خلالِ النّزاعِ على المكانِ الدّراميِّ أنْ يوقظَ وعيَ المتلقّي، ويحرِّضَهُ من أجلِ تغييرِ واقعِهِ السّلبيِّ. يرتبطُ المكانُ الدّراميُّ بالزّمانِ خلالَ سَيْرِ الأحداثِ، ويتبادلان مواقعَ التّأثّرِ والتّأثيرِ؛ لأنَّ كلَّ عملٍ دراميٍّ ينطلقُ من الزّمانِ، ويندمجُ في المكانِ، فالأحداثُ الدّراميّةُ تُحرِّكُ الشّخصيَّاتِ في المجالَين المكانيِّ والزّمانيِّ مَعاً. يُشكِّلُ الزّمانُ الدّراميُّ الرّكنَ المقابلَ للمكانِ في الفضاءِ الدّراميِّ، وللزمنِ في المسرحِ خصوصيّةٌ مغايرةٌ عن بقيّةِ الفنونِ الأخرى؛ فللمسرحيَّةِ زمنانِ متباينانِ، يتمثّلُ الأوّلُ بزمنِ العرضِ المسرحيِّ، أمَّا الثّاني فيتجلَّى في زمنِ الأحداثِ الدّراميّةِ، ويدركُ المؤلّفُ المسرحيُّ أنَّ لحظةً واحدةً كفيلةٌ بقلبِ مجرى الأحداثِ، ولا سيَّما أنَّ تغيّراً بسيطاً قد يجعلُ الزّمنَ الدّراميَّ يُفقِدُ العملَ تناسقَهُ وتوازنَهُ. نَجدُ في دراسةِ الزّمنِ الدّراميِّ في مسرحِ ونّوس صعوبةً في تحديدِ زمنِ الأحداثِ وتحليلِهِ؛ بسبب غيابٍ شبهِ كاملٍ لتحديدِهِ في الموضّحاتِ الإخراجيّةِ،ولا يمكنُ استكشافُ الزّمنِ في مسرحيّاتِهِ إلَّا عبرَ ربطِ الدّلالاتِ الزّمنيَّةِ مَعَ المكانِ الدّراميِّ، واستنتاجِ الزّمنِ من العلاماتِ اللّغويَّةِ في النّصِّ المسرحيِّ، مثلَ مسرحيّةِ (سهرة مع أبي خليل القبَّانيّ)، فكلمةُ (سهرة) تُحدِّدُ زمنَ العرضِ المسرحيِّ، وعبارةُ (أبي خليل القبَّانيّ) تُحدِّدُ زمنَ الأحداثِ الدّراميَّةِ. إذا كانَ الفضاءُ الدّراميُّ يحتضنُ النّصَّ المسرحيَّ مكانيّاً وزمانيّاً، فإنَّ الصّراعَ الدّراميَّ يُشكِّلُ العصبَ الرّئيسَ في النّصِّ المسرحيِّ، فهوَ ((النّسيجُ الضّامُّ لجميعِ أركانِ التّأليفِ المسرحيِّ. وهوَ الَّذي يُحوِّلُ أجزاءَ الحكايةِ الَّتي تقومُ بها شخصيّاتُهَا، إلى عملٍ مسبوكٍ محبوكٍ مثيرٍ))ولا بُدَّ للصراعِ أنْ يكونَ قويّاً ضارباً بينَ قوّتَين متكافئتَين، وأنْ يكونَ صاعداً، وحاضراً بقوّةٍ في مُجريَاتِ الأحداثِ جميعِها وافتقادُ الصّراعِ الدّراميِّ لقوّتِهِ في المسرحيَّةِ يجعلُ المُتَلقّي يتملْملُ من متابعةِ العرضِ المسرحيِّ، أو قراءتِهِ للنصِّ. بنى ونّوس صراعَهُ الدّراميَّ في مسرحيّاتِهِ حولَ القضايا السّياسيَّةِ والاجتماعيَّةِ، فعالجَ القضيّةَ الفلسطينيَّةَ في مسرحيّةِ (الاغتصاب)،وعالجَ الصّراعَ بينَ المواطنِ والسّلطةِ كما في مسرحيَّةِ (الفيل يا ملك الزّمان)،وسلّطَ الضّوءَ على الصّراعِ الطّبقيِّ في المجتمعِ كما في مسرحيّةِ (جثّة على الرّصيف) وتطرّقَ إلى مسألةِ الصّراعِ العاطفيِّ كما في مسرحيّةِ (الأيَّام المخمورة. لم تكنْ معالمُ الفضاءِ الدّراميِّ واضحةً في الدّراساتِ المسرحيَّةِ والنّقديّةِ، بل كانَتْ فضفاضةً ومتشعّبةً ومَنْ يخوضُ في هذا المجالِ سيجدُ نفسَهُ أمامَ طريقٍ مُتعرِّجٍ وشائكٍ، وهذا ما دفعَنَا إلى دراسةِ الفضاءِ الدّراميِّ، ومحاولةِ امتلاكِ مفاتيحِ دراستِهِ في عالَمِ المسرحِ، ولا سيَّما أنَّ الفضاءَ الدّراميَّ في المسرحِ ينطلقُ من النّصِّ المسرحيِّ، مروراً بمصمّمِ السّينوغرافيا، والدّراماتورجيِّ،وصولاً إلى المُخرِجِ المسرحيِّ. ولا تقلُّ أهمّيّةُ الصّراعِ عن الفضاءِ، وخصوصاً أنَّ الصّراعَ المسرحيَّ هوَ الأساسُ في العملِ الدّراميِّ، ومن خلالِهِ يمكنُ الحكمُ على نجاحِ العملِ المسرحيِّ أو إخفاقِهِ، ومن هُنَا كانَ لا بُدَّ من دراسةِ الصّراعِ في المسرحِ،فالفضاءُ يحتضنُ النّصَّ المسرحيَّ، والصّراعُ يعدُّ القاضِي العادلَ على نجاحِ هذا النّصِّ أو إخفاقِهِ.

 

– ما سببُ اختيارِكَ لمسرحِ سعد الله ونّوس ،ولماذا عنونته بهذا العنوان ؟

أمَّا سببُ اختيارِ مسرحِ سعد الله ونّوس فيعودُ إلى تميّزِهِ بالنّزاعِ على المكانِ الدّراميِّ الَّذي يُعدُّ مجالاً خصباً للدراسةِ والبحثِ، ولا سيَّما أنَّ عالَمَهُ المسرحيَّ معرضٌ ثريٌّ لمختلفِ المظاهرِ المكانيَّةِ؛ إذ تتنوّعُ فيهِ صورُ المكانِ الدّراميِّ، وتتراكبُ فيهِ الدّلالاتُ، فضلاً عن قدرةِ ونّوس في التّعاملِ مَعَ المكانِ والزّمانِ، وتوظيفِهما لخدمةِ الحدثِ الدّراميِّ، وقد وظّفَ الصّراعَ بأشكالِهِ كافّةً وأنواعِهِ المختلفةِ؛ من أجلِ معالجةِ القضايا السّياسيَّةِ والاجتماعيَّةِ.ولهذَا تمَّ اختيارُ عنوانِ البحثِ الموسومِ بـ (الفضاءُ والصّراعُ  في مسرحِ سعد الله ونّوس.

-أين تبرزُ أهمّيّةُ البحثِ ؟

 تبرزُ أهمّيّةُ البحثِ بوصفِهِ موضوعاً مُهمّاً من موضوعاتِ العمليَّةِ المسرحيَّةِ؛ إذْ يعتمدُ ونّوس اعتماداً رئيساً على إبرازِ الطّاقاتِ التّعبيريَّةِ الكامنةِ في بِنيةِ الفضاءِ والصّراعِ الدّراميّين، ويسلّطُ الضّوءَ عليهما، ويبرزُ كيفيّةَ بنائِهما في النّصِّ المسرحيِّ. تتجلّى أهمّيّةُ البحثِ في الإجابةِ عن الإشكاليَّةِ المُتمثّلةِ بالأسئلةِ الآتيةِ: – ما مفهومُ الفضاءِ الدّراميِّ؟ وما الفرقُ بينَهُ وبينَ المكانِ الدّراميِّ؟ – ما مستوياتُ سينوغرافيا المكانِ الدّراميِّ في مسرحِ ونّوس؟ وما أبعادُ المكانِ الدّراميِّ في مسرحِهِ؟ – كيفَ تجلَّى الزّمنُ الدّراميُّ في مسرحِ ونّوس؟ وما مستوياتُ الزّمنِ وأبعادُه في مسرحِهِ؟ – ما أبعادُ الصّراعِ الدّراميِّ وأنماطُهُ في مسرحِ ونّوس؟ – ما دورُ الموضِّحاتِ الإخراجيّةِ في تجسيدِ الفضاءِ والصّراعِ الدّراميّين؟ إنّنا نرى أنَّ دراسةَ الفضاءِ والصّراعِ الدّراميّين في مسرحِ ونّوس يمكنُ أنْ تُلقيَ الضّوءَ على توجّهاتِ التّقاناتِ المسرحيّةِ في إبداعاتِهِ الفنّيّةِ، من خلالِ قراءةٍ فنّيّةٍ لمسرحِ ونّوس.   

ما المنهج الذي اعتمدته في بحثِكِ؟ وما مراحل ُإبداع الرّاحلِ ونّوس؟

اعتمدَ البحثُ على المنهجِ الوصفيِّ الَّذي يقومُ على ملاحظةِ الظّاهرةِ، واستقرائِها، ووصفِها، وتحليلِها وتأويلِها، ومن ثَمَّ استخلاصِ النّتائجِ المرجوةِ، واستعانَ بأدواتِ المنهجِ السّيميائيِّ الَّذي يتّكئُ على آليّاتٍ تحليليّةٍ تهتمُّ بالخطابِ المسرحيِّ. يتحدّدُ الإطارُ الزّمنيُّ للبحثِ بينَ عامَي ألفٍ وتسعمائة واثنينِ وستّينِ حتَّى عامِ ألفٍ وتسعمائة وسبعةٍ وتسعين للميلادِ. وقد قُسِّمَتْ مراحلُ إبداعِ ونّوس إلى أربعِ مراحلَ،وتمَّتْ دراسةُ المسرحيّةِ الأولى والأخيرةِ من كلِّ مرحلةٍ وهذهِ المراحلُ هيَ: 1- المسرحُ الوجوديُّ العبثيُّ: ودُرِسَتْ فيه مسرحيّتا (ميدوزا تحدّق في الحياة)، و(عندما يلعب الرّجال). 2- المسرحُ التّسجيليُّ: ودُرِسَتْ فيه مسرحيّتا (حفلة سمر من أجل 5 حزيران)، و(سهرة مع أبي خليل القبَّانيّ). 3- المسرحُ الملحميُّ: ودُرِسَتْ فيه مسرحيّتا (الفيل يا ملك الزّمان)، و(الملك هو الملك(

. 4المسرحُ السّرديُّ/الرّوائيُّ: ودُرِسَتْ فيه مسرحيّتا (الاغتصاب)، و(الأيَّام المخمور).وقد انتظمَ البحثُ في مقدّمةٍ وتمهيدٍ وبابَين، ويتضمّنُ كُلُّ بابٍ فصلَين، ومن ثَمَّ خاتمةً، ومسرداً للمصطلحاتِ العلميّةِ، ثمّ قائمةَ المصادرِ والمراجعِ.

كلمة أخيرة

وفي الختامِ،يَطيبُ لي أنْ أتقدّمَ بالشّكرِ والثّناءِ إلى كليةِ الآدابِ ممثّلةً بعميدِها، الأستاذ الدّكتور أسامة قدور، وإلى قسمِ اللّغةِ العربيَّةِ ممثّلاً برئاستِهِ الأستاذة الدّكتورة منيرة فاعور والسّادةِ أساتذةِ القسمِ الكِرامِ كما يُشرّفُنِي أنْ أتقدّمَ بالشّكرِ والعرفانِ إلى الأساتذةِ الأفاضلِ؛ أعضاءِ لجنةِ الحُكمِ الأستاذة الدّكتورة ماجدة حمّود، والأستاذ الدّكتور رياض العوابدة، والأستاذة الدّكتورة حورية حمو، والدّكتورة منى داغستاني لقبولِهِم مناقشةِ هذا البحثِ، على الرّغمِ من مشاغلِهِم والشّكرُ الكبيرُ موصولٌ إلى أستاذي الدّكتور فخري بوش الّذي أشرفَ على هذا البحثِ، ولم يدّخرْ جهداً في قراءتِهِ وتقويمِهِ فكانَ لملاحظاتِهِ، وتوجيهاتِهِ الوفيرةِ الأثرُ البالغُ في إنجازِهِ، فقد أحاطَ هذا البحثَ بالعنايةِ والرّعايةِ والتّوجيهِ.

هذا وقد نال الباحث تقدير امتياز .وعلامة قدرها 91%       

نور محمد حاتم

                                                                                     

تصفح المزيد..
آخر الأخبار