الجسد.. حامل للنص الإبداعي

الوحدة: 17-1-2021

 

 عندما يولد الإنسان يحصل على أمرين, جسد كأداة يدرك من خلالها العالم واسم يعرف به هذا الجسم ,وهناك الكثير من الحكايا والقصص لهذا الجسد, الكل يشترك به , الرضيع والطفل والشاب والكهل بألوانه الأبيض والأسود والأصفر والأحمر, يكبر بالطريقة  نفسها ويموت بالإشكالية ذاتها, وهو الشيء المشترك بين جميع الناس ووسيلتهم للاحتكاك بالعالم الخارجي لكسر الصمت والجمود المحيط بهم , وكل العلاقات فيما بينهم تمر عبره.

 عندما كتب بودلير قصيدة (سماء غائمة) التي تعد من أجمل قصائد ديوانه الخالد (أزهار الشر) كان جسده يرتعش من البرد والقهر في أحد فنادق باريس الرخيصة.

  الجسد قضية إشكالية في النظرة إليه, يمثل الفيزياء, أما المظاهر الأخرى فتمثل الميتافيزيقيا (ما وراء الطبيعة،  ما وراء الجسد) وهو كالقميص, الوعاء الذي يحوي المشاعر الإنسانية ودونه لا يمكن الكتابة عن الفرح والحزن والخوف والسعادة وغيرها من المشاعر, يقودنا إلى أعماق نفسيات شخوصه وما يعتمل فيها من آمال وأمنيات وحب وشقاء, وقد شكل الاشتغال الكتابي لهواجس الكثير من المبدعين ويشكل حالة إغواء لا مناص من الانشداد إليه, المصور الفوتوغرافي والفنان التشكيلي والروائي والمسرحي والسينمائي يتحدثون عن أجساد عرفت بأسماء، يصورونه عارياً ولابساً ويفصلون فيه  الوجه، الشعر، العينين، الأذرع، السيقان.. محملين إياه عشرات القراءات والتأويلات والرموز والإيحاءات والإيماءات..

يقول عبد الحميد كركلا: (الجسد سفينة تنقل لغات العالم أجمع بواسطة الرقص).

 الجسد البشري صندوق لا يعرف أحد فتح  معاليقه, وسر الجسد وسحره مفهوم نفسي معقد وثقافة الجسد تتعرّض للتجديد المستمر عبر الكم الهائل من المعلومات حوله, والجسد الأنثوي بحر مليء بالغموض والأسرار, وأوركسترا تعزفها الفروقات البيولوجية والإحساسات المختلفة المميزة والكثير من الروائيين علقوا رواياتهم على مشاجبه في قطاف مرئي لثمار غير مرئية.

يتحدثون عن تسريحة مغرية وماكياج فاقع وأحمر شفاه صارخ قاهر جذاب محمول على وجه متورد وقامة ممشوقة, وشعر فاحم يتدلى إلى وسط الظهر ناهيك عن شكل القدمين والكعب الطويل العالي وتناسق الأصابع وطلاء الأظافر لزيادة الإثارة وإذا كانت تلبس جورباً بلون بشرتها  ويتشابه الجورب والجلد وكأنها تلبس الجورب تحت الجلد.. مصمم الأزياء العالمي فيوتوريوز الماي الذي يعمل في مؤسسة فرساتشي قال عن الممثلة: عندما ظهرت غريتا غاربو بظهر مكشوف عام 1928 حدث شيء يشبه الحرب العالمية الثانية).

 الفنان التشكيلي يرسم ما يدركه العقل بدلاً من الاقتصار على ما تراه العين فاتحاً عينيه على مصراعيهما لكي لا يهرب المشهد يرسم صورة تشكيلية بسيطة لامرأة يكتنف وجهها الغموض يربط مخيلته بالعينين اللتين تنظران بجاذبية عجيبة وتخدشان كالسهم في قلب الإنسان.. هل سينصب الدمع منهما, هل صادقتان، أم جريئتان, عفيفتان أم وقحتان..؟ تساؤلات كثيرة وتفسيرات متناقضة للعيون الأنثوية الغامضة، فمن يفك سر اللغز وما فيه من معانٍ.. كان الشاعر البريطاني اللورد بايرون يتخذ من ساق معشوقته الإيطالية فرنيني مقياساً وحيداً للطول والاستدارة والالتفاف.

 نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار