الوحدة: 14-1-2021
لوحاته واقعية العناصر, أسطورية المشهد, حداثوية التكوين، واقعية بجزئياتها لكنها لنظرة كلية توحي بالتجريد, تحثك على الولوج إلى عالم الفنان الخاص.
تتشابه بصيغتها العامة, لكنها تختلف بعناصرها أو الجزئيات والمفردات التي تكون هيكلها العام, والتي تنتمي للعالم من خلال التدريب المستمر لحركة اليد والبصر, مما كوّن أسلوباً يعتمد على إظهار الخفايا في الأشكال ,وبهذا برزت قيم تشكيلية لها أهميتها كالضوء وحركة المكان والزمان , فنرى العناصر تتجاور وتزدحم لتملأ المكان أو سطح اللوحة التي تتحول عناصرها إلى مفردات مكثفة تختزن بيئتها المشاهد البصرية والمفاهيم الروحية , إنه الفنان : محمد أسعد ( سموقان ) صاحب أول فكرة عرض في الهواء الطلق بسورية , حائز على جوائز عدة داخل وخارج القطر , له أكثر من مائه معرض فردي في سورية وخارجها, مجموعة معارض في باريس منها ثلاثة معارض في كاروسيل متحف اللوفر, وموسكو وبطرسبورغ وبرلين وبيروت وغيرها، له عمل نصبي للشهيد الباسل في بانياس, أعماله معروضة في متحف بيت الفن العالمي ببرلين ومتحف تدمر ومتحف طه طه ومتحف الفن الحديث باللاذقية .يكتب القصة والشعر والنقد التشكيلي, وهو من مواليد اللاذقية 1951
(الوحدة) التقته وحول تجربته التشكيلية الغنية بتنوعها كان حوارنا الآتي:
– نلاحظ اعتمادك على مبدأ التفكيك والتركيب في العمل الفني, ماذا تحدثنا بهذا الخصوص؟
أعتمد على مبدأ التركيب الحرّ لجملة عناصر تتكاثف، فأستطيع رؤيتها تتراكب فوق بعضها البعض تتقارب وتتنافر، وفي النهاية أحاول تنسيقها وعزلها عن بعضها بواسطة الضوء بحيث يستطيع المشاهد الدخول إلى عالمها, ويصبح مشاركاً في العمل فيعيد تكوين العناصر بخياله, ويحاول أن ينسق كل سياق على حده ليقربها من معنى محدد، وهذا الطريقة تجعلني أمتلك كامل الحرية في تنفيذ العمل إذ أغيّر الأدوات المألوفة للرسم ثم الأدوات التي أرسم بها وأصل إلى نتائج مختلفة خلفتها حرية ممارسة التجربة واستخدام الأدوات, ثم أدخل في مواجهة أمام تركيب أو بناء كامل، فأحاول تفكيكه إلى عناصره, وإعطائه صياغة جديدة، كل هذه الممارسات لا بد أن تخلق تقنية خاصة وأشكالاً، مبدؤها التفرد والسير في عوالم قد تكون مجهولة.
وهنا أقول: إنني أتقاطع إلى درجة قصوى مع عمل المخرج السينمائي في محاولة إظهار أو إعطاء الأهمية للأشياء التي قد تكون مهملة في حياتنا العادية لكنها تمارس فعلها, وهي تتبع الضوء في حركتها ضمن مكان وزمان تعرفه خلفية اللوحة, والتي تدعو للتأمل لأنها هي الأفق حيث تجوب العين بحرية وراحة مأخوذة فقط بالأثر الفيزيائي الأولي لفعل اللون، كثيراً ما أبني العمل الفني من خلال العناصر القديمة مع إضافة عناصر جديدة مختلفة في الشكل بلونها وحركتها ومكانها وفعلها الأسطوري . وبهذا أعمل على محورين هامين: تاريخ ومستقبل الشكل, وليس الفكرة أو المضمون الذي يحتويه.
– في مشوارك التشكيلي مررت بمحطات عدة من مرحلة الغابة التي عرفت بها كثيراً, ومن ثم مرحلة أبجدية الأزرق إلى الأسطورة مروراً بالرسم على المكعب ،باختصار كيف تلّخص تلك المراحل؟
العناصر المرسومة في لوحة الغابة هي واقعية إلى أقصى حدّ كالأوراق والأغصان وجذوع الأشجار المتشابكة والمتراكبة فوق بعضها البعض، لكن هذه العناصر تلبس أقنعة شتى وجسدها قابل لأن ترتدي ألواناً متعددة غرائبية, وتتوضع بسياقات فيها تمجيد لأصغر جزء مرسوم كجذير الشجرة مثلاً, أو نقطة الندى تحت الوريقة, وكل ما هو كبير الشكل من عناصر أخرى يأتي لإبراز أهمية هذه المفردة الصغيرة جداً، وهذه الحالة لم تأت بمحص الصدفة, بل جاءت نتيجة الدراسات التشكيلية المتعددة للغة الشكل الأوغاريتي والرافدي, أتكلم عن المدن والبشر والمواضيع التي أتت بعد الغابة, وهي تمت إلى هذه المرحلة التي قد تكون غابة من البشر وغابة من البناء، ولعلّها مرحلة أبجدية الأزرق كانت هي التجربة التي أخذ فيها اللون كامل طاقته ليحثث وظيفته الزرقاء، أما الأسطورة فكانت في ألقها في المعرض الفردي الذي أقمته في صالة الحكمية.
لقد أعددت الدراسة التشكيلية لملحمة البعل ضمن جدارية كبيرة حيث يظهر فيها روح الأختام الأسطوانة القديمة في طريقة توضع الأشكال وترددها ضمن جو أسطوري مفعم بالحركة، وبرز عنصر جديد على عملي, وهو عنصر القطة فرسمت مئات الأعمال التي تتناول القطط المسالمة جلابة الحظ , فهي تحس وتتألم وتفرح كما الإنسان والشجر، مهما تغيرت العناصر التي أرسمها لا يمكن أن تخرج بشكل كامل من الحس الأسطوري الذي كان يمثل طابع لوحتي بقوة، بالنسبة للرسم على المكعب فيكون المشاهد أمام فضاء رحب شاسع, والعمل محمول بالضوء وعليه بمعنى آخر: العمل بالنسبة لي هو عمل فني بالدرجة الأولى، أي ليس لوحة ولا منحوتة، وفي هذه الحالة يكون للعمل الفني أبعاد عدة يمكن أن يرى فيها، وكل هذا يأتي ضمن مشروع البحث في اللا مرئي من أجل المسك بالضوء, والاحتفاء به.
– أغلب الأعمال في تجربتك الأخيرة (الحالية) تحمل عنوان: (أنت وأنا) وأنت القائل أنت وأنا أصبحت أيقونة سريانية، حبذا لو توضح لنا هذا المفهوم؟
صحيح في تجربتي الأخيرة أقول إنه الإنسان العاشق المحب هو البطل في لوحتي، فأغلب الأعمال تحمل عنوان (أنت وأنا) حيث الحب والسلام في كامل طاقته ليحثث وظيفته العليا شكلاً ومضموناً، أنت وأنا رجل وامرأة في حالة صيد وعزف وعشق للقمر والشمس وصوت الكمان والناي، أنت وأنا لا تخلو من الجرار الأوغاريتية , ولا من الورد والعصافير تحلق في السماء خلفية العمل او تحط على رأس العاشق والعاشقة.
العاشقة للقمر الذي يصبح لرمزيته مثلث في فضاء العمل, تتقارب الوجوه وتتشابه في بناء كتلي واحد، أنت تصير عشتار شعرها من أوراق الغابة، وشفتاها تأخذ لون الجمر والخمر حيث لون النبيذ الذي يملأ الجرار طغى على المشهد، أخيراً أقول إن تجربة أي فنان قد تمتد لسنوات، وأنا في عملي التشكيلي أحب أخطائي حيث تصبح طقساً في الحياة وأسلوباً في الرسم.
– اللا مرئي هو غايتك من العمل الفني, هل يمكن أن تشرح لنا ذلك؟
هذا صحيح، أنا أسعى إلى بعث الخواص الأخرى أو الآثار التي يملكها اللون، فالنور المباشر يحقق معادلة رؤية العناصر أو عدمها، ومعرفة النور والظل ثم لون الظل وظل اللون، فالظل يمكن أن يأخذ جميع الألوان وأهمية الظلال تكتسب من خلال ألوانها أو ألوان الأشكال المحددة بالإضاءة، والعمل الفني بالنسبة لي بالدرجة الأولى عمل بصري، وفي المراحل العليا يتكشف الداخل ونجد أنفسنا أمام بصر وبصيرة, ورؤية ورؤى, مرئي ولا مرئي، فاللا مرئي هو مرئي بالقوة أو بالفعل, وأنا أعمل على تحريض فعل اللون والشكل الذي يحقق كامل طاقته عندما يتواصل مع الروح, ويصبح مرئياً جداً، وكل الأشكال اللاواقعية تصبح واقعية الرؤيا حيث التجريد هو الواقع الذي يحقق نشوته القصوى.
– كلمة أخيرة للفنان التشكيلي (سموقان)
أحبّ سورية، رسمت لها وعنها, حولت مرسمي لصالة عرض استقبلت أكثر من خمسين فناناً سورياً, وفنانين أجانب، استقبلت أيضاً المعارض الفردية.
معرضي القادم مع التشكيلية السورية (سلوى الصغير) في (دبي) تحت عنوان (نوافذ سورية) كل اللوحات هي أيقونات محبة وعشق لسورية, لترابها وشمسها, لبحرها وقمرها, لأساطيرها وقوتها.
رفيدة يونس أحمد