الوحدة 30-12-2020
معظمنا أغلق دواوين وكتب الثقافة وراح يفتح دفاتر الذاكرة على طبخ ونفخ أيام زمان، داخل الجلسات العائلية أو أثناء ممارسة المشي الجماعي، أما المقاهي فلا تكاد الأحاديث فيها تخلو من أحاديث الطعام والأطباق المختلفة، اعتماداً على وسائل ومواد الطبخ المتاحة، لمن يعاني عتمة جيبه وانطفاء ناره بخضراوات وبقولٍ بسيطةٍ، هي أقل قيمة من الحاجة نفسها وتفاصيلها الصريحة لم تكن موجودة من قبل، بل كنا نستحي من ذكرها لما فيها من بخل أو قلة في الكرم.
في نهاية كل جلسة من جلسات الطعام تختتم الأحاديث بالأسماك حين كانت سهلة المنال، وتجود بها الأعماق والأمواج، لنقارنها في تلك الأيام بعلب السردين المتاحة للبعض دون غيره.
الملفت في ثقافة الأفواه انتقال الوجبات الدسمة إلى فصول السنة، ففي كل فصل وجبة تليق به ولمرة واحدة. آخرون نسبوا الطعام إلى أمم وشخصيات وأبطال حتى قيل: من يحبك لطعامك فهو صادق بمشاعره عندما يدعو لك بالسعة والبسط.
وهكذا لم تعد المكتبة (صيدلية) القارئ ولا الكتاب دواءه، فنرى من يغازل سيقان القمح ونرى التفاحة تُقبل بدراً والخضار مشتاقة للطهي.
وإذا كان التراث يحكي عن( أشعب) واحدٍ فكم من (أشعب) في أيامنا هذه وهم يتزاحمون على مائدة يجدونها ولا يجدونها؟
وكم من قدورٍ لم تعد تصلح للسلق والقلي، وقد غطاها الغبار؟
أما هدايا الطعام فقد طغت على الورود والملابس والمقتنيات وبنكهات لا تنتشر بين الجيران، خشية تبادلها كما كان يحدث أيام مضت وانقضت، ففي حينها كان التحية لا تكتمل إلا باجتماع الناس على اللقمة الطيبة كاطمئنان على الصحة وحسن الجوار.
سمير عوض