العدد: 9305
الخميــــــــس 28 شـــباط 2019
اعتاد المواطن السوري على الترصّد والتأهّب والاستعداد لكل أمر هام وفيه استعجال، خاصة ما يتعلّق بأسباب عيشه وما يخفّف عنه وطأة الحياة، وها قد بدأ موسم التنزيلات باكراً هذا العام، الواجهات حبلى بتنزيلات وصلت اليوم إلى 70%، وقد اعتمرت بكل لون ومقاس، لكن (الجمل بفرنك وما معك فرنك!) فالجيب يئن من ويلات ضرب يد صاحبه كل حين وكثرة المتطلبات والحاجات، ورغم صيحات التنزيلات الصارخة من كل باب محل التي تتناول كل مار بقربه وتكاد تصل يده وتشدّه بالإغراءات إلا إنّ البيع قليل، فهذه الحرب الضروس الغروس بأسنان بلائها قد مزّقت لباس عيشنا لنرقعه بالأيدي والأكتاف وكل جوانب الحياة، ولم تعد حيل التجار وافتعالاتهم الوهمية غير خدع بصرية ننظر إليها ونعبر غير آبهين.
بعضهم اليوم كبرت حيلته وتوسّعت دائرتها لتجعل المستهلكين في تردد بدخول المحلات، وهو ما جعل أغلبهم في نفور ليأخذوا حاجياتهم من البسطات التي تمددت على الأرصفة وأفسحت لها المكان للبيع والرزق.
خدعة. . .
أم ربيع، أكّدت أنّها رأت على أحد الواجهات البلوزة بألف ليرة فقط، وهو ما شجعها لدخول المحل بكل سرور وأمان مع أن الجميع من حولها قد انفضّ وخرج ولم تكن تعلم بحقيقة الأمر، ولما صارت داخله وتحت سقفه سألت عن سعر بلوزة زهت بالجمال وحسن التفصيل لابنتها التي رافقتها إلى السوق ردّت عليها البائعة الجالسة على كرسيها بآخر رواق مع الموبايل: ثلاثة آلاف ليرة هذه ماركة أجنبية، حينها تجمدت نظرتها وعلقت وفي فمها الكلام لتصيح بها: من أين الأجنبي والاستيراد ممنوع، كما أنّه على الواجهة كتب ألف للبلوزة، تنفرد ابتسامة غليظة على وجه البائعة لتقول: نعم يوجد لدينا ما تقولين انظري إلى اليمين هذه الثياب بألف، لكنها قديمة القماش ورثة وحتى الموديل بطل وأكل عليه الدهر، فلم ترد، وخرجتُ مسرعة وأنا أتمتم وأحلف بأغلظ الأيمان أني لن أكررها، وصدقاً خفت أن أدخل محلّاً آخر وليس بجيبي ما يكفي لسداد نصف ثمن أي بلوزة على الواجهة، وفي طريقي للعودة وجدت على الرصيف بائعاً مسكيناً (يا اللي متلنا تعال لعنا) فأخذت بما يشابهها بـ1500 ليرة بلا جدال ومع كل شكر وامتنان.
لغز «4999 أو 995»
«مهمة التسوّق على الزوجة وأم الأولاد مهمّة صعبة قد تجد فيها استحالة»، كما تقول أم جنى-موظفة تخرج من عملها لتقصد السوق كل حين، خاصّة عندما تزداد طلبات البنات ويأتي وقت التنزيلات، وتعدّه الوقت المناسب لشراء الألبسة لبناتها ولو في آخر الموسم، حيث في (العبارات) يمكن أن تشتري قطعة اللباس بنصف ثمنها، ويمكن تركها للعام القادم بعد لبسها مرّة أو اثنتين، ومن المضحك أنّك تجدين بعض أصحاب المحلات قد وضعوا تسعيرة 4999أو 995 وتساءلت: كم فيها استخفاف بنا وماذا يقصدون بها؟ وتابعت: تختلف التنزيلات من مكان لآخر في السوق (الشخضاهر، التجار، القوتلي، هنانو،..) وحتى في الأحياء والقرى إذ يضاف عليها أجور النقل والسيارات، كما تتبع مزاجية التجار ولا يمكن ضبطها بقرار أو رقابة لتحديد كلفة المنتج خاصة إننا نعيش فوضى الحرب، وحيل التجار لا تنتهي خاصة أنّهم يحاولون التخلص من بضاعتهم المكدّسة في المخازن، ونحن جمهور المستهلكين.
جور الأسعار
الشابة ريم، أكّدت أنّها تقصد السوق مع رفيقاتها للراحة والاستجمام لكن جولاتهن قليل فيها الشراء، فالأسعار جنونية خاصة في محلات مدموغة بالماركات والسلع الأجنبية، ويأتي موسم التنزيلات بحيل وإغراءات العروض، لكن المعروض لم يكن على الواجهات من قبل فقد تغيرت الموديلات واستبدلت ألوانها، ولم تعد بالشكل المرغوب وهذا ما يدفعهم لخفض الأسعار والمنافسة الشديدة في بحثهم عن وسائل لجذب المتسوقين وخاصة الشبان والبنات.
لصالح البائع والمشتري
صاحب أحد المحلات بادر بقوله: من الظلم التعميم على كل التجّار والإشارة إليهم بأنّهم لا يشبعون ويحتالون على الزبون، فنحن كغيرنا من البائعين إن كانت مواد غذائية أو استهلاكية وغيرها من المنظفات وحاجات الناس، نحاول أن نبيع بضاعتنا ولو بالحد الأدنى من سعرها ولا نتركها في المخازن يأكلها العت والفار، والعام القادم يأتي بموضة جديدة وبأذواق جديدة ورغبات الناس في تغير مستمر ولا تعرف التوقّف على شكل، والتنزيلات أصبحت تقليداً موسمياً وشعبياً، وتنشيطاً لحركة البيع والشراء، وهي لصالح البائع والمشتري في آن واحد، والتاجر يحاول أن يحافظ على سمعته ومكانته لدى زبائنه، فليس في التنزيلات أي غش أو تلاعب، وكلنا يعاني من جور الأسعار نظراً لارتفاع سعر الدولار الذي يؤثر فينا وحتى الجالس في البيت بلا حراك.
لعبة تجّار
المرشدة النفسيّة رغداء خير بك، أشارت إلى أنّ التنزيلات عادة قديمة أيّام زمان كان هناك مقدرة قوية لدى المواطن على الشراء حيث قيمة الليرة السورية أكبر من اليوم، المواطن منهمّك في تأمين لقمة العيش التي طفت على السطح وطغت على ملذّات الحياة وهي الهم الأكبر، وأصبح يكتفي بقطعة لباس في العام الواحد تستره، كما خفّت حركة الشراء تحت وطأة الظروف المعيشية والحرب الظالمة على بلدنا، فقد كان كل شيء متوفّراً للمواطن السوري وبكميات كبيرة وأسعار مختلفة تتناسب مع دخله ووضعه المعيشي والاجتماعي (فقيراً أو متوسط الحال أو غنياً) وبالتالي كانت فرصاً أكبر لديه للاختيار وفقاً لما ينسجم مع حالته المادية، وكنا نرى الفرح في فترة التنزيلات وتابعت:
لم تكن التنزيلات يوماً حقيقية ولن تكون، فهي باختصار شديد لعبة تجار، فالواحد منهم لا يبيع بخسارة، ولا يشعر المواطن أو يرى ويلمس أي مؤشر في هذه التنزيلات على أرض الواقع فالواجهات اكتظّت بالعبارات الملفتة للنظر والشعارات البرّاقة (20-70) % لكنّها وهمية وغير صحيحة، حيث إنّ الضائقة الماديّة التي يعاني منها المواطن السوري والعقوبات الاقتصادية الجائرة ومقاطعة بعض الدول إضافة لخروج العديد من المعامل والمصانع من الخدمة وسرقة المعامل وترحيلها خارج الوطن أثّر على الإنتاج وارتفاع الأسعار الجنوني، وهو ما دفعه لقصد محلات الألبسة المستعملة التي طيرت الفرحة من عيونه وقد كان يوماً يشتري الأجنبي والوطني المنافس له.
المواطن عزف عن الشراء واكتفى بالتجوال في السوق على المحلات ومشاهدة الواجهات التي كتب على زجاجها سعر الجاكيت قبل التنزيلات 50 ألف ليرة وبعدها 25999ليرة، وهذا الرقم له أثر سلبي على نفسه إذ يعزز لديه بأن الأمر فيه خدعة و(ضحك على اللحى) حيث إنّ الرقم المكسور له رنّة ووقع خفيف على مسامع المواطن، إن كل ما في الأمر هو لعبة تجار وهروب من الضريبة، لذا ليس علينا أن نشعر بالإحباط ولا نضخم الأمر أكثر مما يستحق، وكل دول العالم تقوم بالتنزيلات، ويتهافت جمهور من الناس للتبضع من الأحذية والألبسة وغيرها لكنّه اليوم قليل والتهافت الأكبر على البالات.
صدمة ..!
تبهرك الإعلانات عن التنزيلات، وتخطف الأبصار، برّاقة وجاذبة وحسومات تتجاوز نصف الأسعار، هناك من يراها فرصة مذهلة والبعض يراها مجرد خدعة ولعبة تجار.
* السيدة حلا إبراهيم: التنزيلات في هذه الفترة ملفتة للنظر وتشد الشاري وأنا من خلال تجربتي أؤكّد أنّها حقيقة وكانت صدمتي كبيرة عندما رأيت قطعة اشتريتها منذ شهرين بثمانية آلاف ليرة والآن معروضة بأربعة آلاف ليرة وأدركت إنها خدعة من التاجر يعني لا يمكنني أن أصدق أن التاجر سيبيعها بخسارة، إنما هي فارق في الأسعار ونحن من يدفع الثمن لذلك سأتسوق في فترة التنزيلات وأوفر على نفسي لشراء قطع أخرى.
* السيدة آمال مجمود: تتبارى المحلات بالإعلان عن عروضها وحسوماتها وعند الدخول إلى المحل والسؤال عن أي قطعة معروضة على الواجهة وكتب عليها حسومات 70% يأتيك الرد من قبل البائع: لم يبقَ سوى هذه القطعة لما تأخرتم كان يوجد منها الكثير، يعني إنها مجرد خدعة لشد المواطنين وأنا في هذه الأحوال أفضل شراء ألبسة البالة لأن أسعارها أقل ونوعيتها أفضل وتقاوم لفترة أطول.
* السيدة نور: شعارات برّاقة وفرصة مذهلة وحسومات على جميع الألبسة نجدها على واجهات المحلات وتخوّف المشترين من تفويت الفرصة يدفعهم للشراء على الرغم من عدم حاجتهم إليها.
* السيد حسّان محمد: أرفض الشراء في هذه الفترة والإغراءات لا تدفعني للذهاب إلى السوق لأنّها برأيي مجرد خدعة وعرض هذه القطع من أجل التخلّص منها قبل فوات الأوان، وأغلب التنزيلات لمصلحة صاحب المحل، كلما باع أكثر وفّر عليه تخزين البضاعة وأعطى نفسه فرصة لشراء المزيد.
* السيد أنور صاحب محل: إن حركة البيع في فترة التنزيلات تكون أقوى مقارنة مع باقي أشهر السنة وتكون على مرحلتين لأن الأسعار في بداية الموسم أسعارها عالية ولا تلائم دخل العديد من المواطنين وعادةً ما تكون على بضائع من الموسم الماضي وبعض القطع تحوي عيوباً يتم عرضها بتخفيضات كبرى وهناك إقبال شديد عليها.
* السيدة رهام: ليست جميع التنزيلات كاذبة، فهناك محال تجارية تلتزم بتنزيلات حقيقية كي تحافظ على سمعتها لدى زبائنها وفي النهاية تكون لمصلحة الجميع، وخصوصاً أصحاب الماركات المعروفة لفتح المجال أمامهم لموديلات جديدة ومميزة.
* السيدة أم حسن: انتظر موسم التنزيلات بفارغ الصبر كي أشتري حاجة عائلتي وتعجبني البضاعة لأنني من ذوي الدخل المحدود وعائلتي كبيرة لذلك أفضل أن أشتري في موسم التنزيلات، وغالباً ما تكفي لسنة أو أكثر وليس بالضرورة أن تكون كما يقال عنها (ستوكات) وجودتها سيئة.
هدى سلوم- معينة جرعة