الوحدة 16-12-2020
حين كان الإسكندر ينوي الذّهاب لاحتلال الهند, ذهب لرؤية المتصوّف الأكبر ديوجين الّذي كان مستلقياً على ضفّة النّهر تحت أشعة الشّمس. فقد كان الإسكندر منذ زمنٍ يرغب برؤية هذا الرّجل الّذي قيل له عنه, إنّه لا يملك شيئاً, ولكنْ ليس من رجلٍ في العالم أغنى منه. كان البعض يقول ” إنّه متسوّل, غير أنّه في الحقيقة كان امبراطوراً ” . وقُبيل سفره سمع الإسكندر أنّ ديوجين على مقربة منه, فذهب لرؤيته.
كانتِ الشّمس ما تزال تبزغ, وديوجين يستلقي عارياً على الرّمل . تقدّم الإسكندر نحوه وقال: ” إنّي سعيدٌ جدّاً لرؤيتك ويبدو, أنّ كلّ الّذي سمعته عنك هو حقيقة. لعمري ما رأيتُ رجلاً أسعدَ منك . هل يمكنني فعل شيء من أجلك ؟ ” دون أنْ ينظر إليه, أجاب ديوجين, تنحَّ جانباً, فأنتَ تحجب نور الشّمس عنّي . تذكّر دائماً ألاّ تحجب نور الشّمس . أنتَ إنسان يشكّل خطراً على العالم, لأنّك قادرٌ أنْ تحجب نور الشّمس عن الكثيرين من البشر . إذاً تنحَّ جانباً .
هذا هو العطاء إذاً, فهو ليس أنْ نُعطي شيئاً, بل هو في عدم حجب ضوء الشّمس . نعم ليس العطاء أنْ تقدّم شيئاً أو تعطيه للآخرين, بل أيضاً هو في أبهى صوره ألاّ تمنع العطاء عن الآخرين من الآخرين, وألاّ تقف بوجهه. لذا أيّها الإنسان اجعلْ نفسك كالنّاي الأجوف من الدّاخل لكنّه يسمح للهواء أنْ يمرّ عبره فيخرج لحناً عذباً يُطرب السّامع ويسرّ قلبه, ينشر الفرح في كلّ الاتجاهات.
إنّه العطاء الّذي ليس منك بل عبرك, وبذا يكون العطاء صورة جليّة واضحة للبعد عن الأنا, فالعطاء والأنا لا يلتقيان, فكلّما تلاشت الأنا زاد وظهر العطاء وتبلور في صور شتّى . وهنا أطلب منك يا إنسان أنْ تُفسح الطّريق وتُخلي المساحات ليظهر العطاء , وإذا استطعتَ أنْ تختفي, حينها يستطيع أنْ يفيض العطاء, وإذا ما حدث ذلك فاعلمْ أنّه عليك أنْ تختفي لتظهر
نعيم علي ميّا