بلاد وعباد… كيف يتحول الحرام إلى حلال؟

الوحدة: 13-12-2020

 

قام مجتمعنا منذ تأسيسه على ضوابط وضعية وسماوية كان فيها الحلال ركنا أساسياً، فمعظم تصرفاتنا كانت تبنى على هذا الركن حتى وصلنا إلى مرحلة بات فيها تحليل الحرام وسيلة لتبرير كل الأفعال الشاذة عن القاعدة، وأصبح كل واحد منا يفتي لنفسه بما يراه مناسباً، ويضرب عرض الحائط بكل القواعد والأخلاقيات، وعندما تستفسر عن سبب هذا السلوك، يأتيك الرد من صاحب الفعل معللاً بحجج لا تقبل الرد أو الدحض، والواقع سيد الأحكام.

تفشل المؤسسات المعنية في وضع قائمة مناسبة للأجور وبدلات الخدمات، وتسعر بناء على معطيات لا تقارب الواقع، فينصب المتضرر نفسه مكان الجهات المعنية، ويتقاضى بطريقته ما يراه (حقاً) لم يُعترف به رسمياً، فيلتف على القوانين، ويمد يده إلى جيب المواطن من دون أن يشعر بالحرج بعدما حلل لنفسه ما يشاء، وجهّز لك القلم والورقة، ليثبت أنه خاسر بامتياز إن سار على الطريق الصحيح.

تقصر مؤسسات الدولة في تحديد هامش الربح لصاحب الفرن، فيأخذ ما يعتبره حقه من المواطن، تقرش الدولة أرباح صاحب محطة الوقود، فيأخذ ما يراه مناسباً بطريقته، (يستعير) مواطن خط كهرباء من العمود المواجه لبيته، ويعلنها على رأس السطح: هذه ليست سرقة، فالراتب لا يكفي لسد كل الثغرات.

يجلس موظف خلف كرسيه، ويرتشي من أخيه في الوطن، ولا يعتبرها عملا شاذاً، ويقول ببساطة: (عندي ولاد وبدنا نعيش).

يأخذ أحدهم تعهداً من مؤسسات الدولة، فترى العجب العجاب، وتظهر بعد أيام من التنفيذ عيوب لا تطاق، فيعتبر المتعهد نفسه شاطراً، وإن سألته، سيقول لك بشكل غير مباشر: إنه كالمال حرام، وأنا كالوارث عن أبيه، ويزيدك بيتاً من الوقاحة عندما يؤكد لك بأن الجميع قد قبضوا.

نتفاخر بإنتاجنا من القمح، لنكتشف بعد حين أن موظفاً أو مجموعة لصوص (إن صح التعبير)، خلطوا الحنطة بالشعير، والزيوان بالتراب، لنصل إلى قمح غير صالح للاستهلاك البشري، وهكذا دواليك، تسير حياتنا، ونعيش جواً فاسداً ينهك مقدراتنا، ويخلخل أساس دولتنا ومجتمعنا.

نطرح الأمر بهذا الشكل لأنه واقع وحقيقة، ولن نستوي إن بقينا نعالج النتائج، في حين أن معالجة الأسباب، و سد الذرائع سبيل صحيح للولوج إلى ساحة المحاسبة، فعندما نتفاخر بزيادة أعداد الضبوط التموينية، نستدل على أن عامل الردع هذا لا ينفع، ولن ينفع في المستقبل إن لم نعالج أس المشكلة وأسباب حدوثها.

الحل لن يكون إلا بإصلاح القوانين، وهو ما تحدث عنه قائد البلاد مراراً، فصاحب الفرن يجب أن يحصل على هامش مناسب للربح، وصاحب محطة الوقود يجب أن تتحول قروشه المشروعة إلى ليرات، والموظف يجب أن يقبض راتباً مناسباً ومتناسباً مع متطلبات الحياة، وكذلك سائق التكسي، والعامل بالمياومة، وأصحاب المعامل الكبيرة والصغيرة، وعندها تستطيع مؤسسات الدولة محاسبة الجميع بشكل فعلي، لأننا قد نصل في وقتها إلى مجتمع نظيف يقنع بأن حقه واصل إلى جيبه، وبأن الالتفاف على القانون لتحصيل أرباح إضافية ليس ضرورياً، فمنطق (دبر راسك يا مواطن) لا تبني أوطاناً، ولا تؤسس لحياة محترمة، بل تحلل الحرام، وتجعل الاعوجاج وسيلة للنجاة.

غيث حسن

تصفح المزيد..
آخر الأخبار