الوحدة: 13-12-2020
بعد تقاعدي من عملي الوظيفيّ, قبلتُ عرض أحد الأصدقاء, لمرافقته في التنقل بشاحنته الصغيرة بين المدن والبلدات والمراكز.
وبعد قطع مئات المسافات, لأيام وأسابيع, لم أشعر بخروجي من داخل غرفتي الشاحبة بجدرانها وأثاثها وكتبها, ولكنني لم أقرأ ولم أكتب, ورسومي بقيت من دون مساحات.
ولأن ثمّة مفاجآت تتكرّر كالعادات اليومية من خلال تلك الاسفار, والتي لم أعهد مثلها من قبل, اضطررت أن أعتذر بأشد عبارات الاعتذار عن تلك المرافقة المأجورة- فمن كان الكتاب رفيقه على امتداد عمره, يصعب عليه استبدال صحبته, حتى ولو كان الصاحب سطح (يخت) يشقّ الأمواج بخيلاء وغرور.
منذ عودتي لغرفتي الوحيدة, وأنا أهتزّ فيها وأتحرك, كما لو أنني لم أغادر الشاحنة, وأحياناً أشعر أنها بلا سقف وبلا جدران, فظهرت أمراضي ونمت كالطحالب في سرعتها, واضطررت للإقامة في مشفى تخصصيّ لمدة طويلة تحرك معها سريري, وكأن ذلك السرير شاحنة لاينقصها سوى صديقي الذي مازال ينتظر عودتي, لا لمرافقته, وإنما لتقاعده هو الآخر, وانشغاله بعملٍ آخر سبّب له إحساساً مزعجاً يقود فيه بقاليته كشاحنةٍ لا تتحرك عجلاتها( إنشاً) واحداً.
حين التقيته, أشرتُ إليه: إنّ تقاعدنا لا يصلح لعملٍ آخر, وأيامنا نظّارةٌ لا نرى من خلالها إلا ذكرياتنا.
سمير عوض