صرخة عاشق للشاعر حيّان محمد الحسن

الوحدة 2-12-2020

 

صرخة عاشق، مجموعة شعرية جديدة للشاعر حيّان محمد الحسن، تقع المجموعة في تسعين صفحة من القطع المتوسط، احتوت ثلاثين قصيدة تمحورت حول الهم ذاتياً واجتماعياً وإنسانياً، صيغت قصائدها على التفعيلة الخليلية، أجاد الشاعر فيها العزف على كل الأوتار، ضمن قالب لغوي يحسب للشاعر.

ومن خلال العنوان يستشف القارئ أن المجموعة  كلها تتمحور حول (صرخة)،

عرفناه عاشقاً، لكن من هي المعشوقة؟ هل هي لما منصور التي أهداها ما كتب؟

أم هي قريته؟ أم وطنه؟ أم ..؟ أم…؟

وقصائد المجموعة تنقلك من حضن الحبيبة إلى حضن الأم فالقرية, فالوطن، وهي جميعاً تشكّل محور الصرخة.

هي صرخة موجعة تتقلقل بين صرخة العتب والغضب, صرخة الحنين والفراق. صرخة الوفاء والنكران.

صرخة عاشق مجموعة تنقلّك في بستانها، وتعطيك ورودها.

يقول من قصيدة (أشتاق سحرك):

أهواك.. ليس النوم يسعف مقلتي

إذْ طال فيكِ تأرقي وسهادي

فهو يقظ بحواسه ومقلتيه, هدّه أرقهُ وسهدٌ طال في ليله ونهاره, مبعثه الاشتياق لمن يحب

يقول مستعجلاً وآملاً لقاء من يحب:

أستعجل اللقيا إليك يقودني

قلبي ويسبقني لهفتي وإنشادي

والمجموعة بما حوت لا يفارقها الوجع, وهو دائم الحنين لمن يود لقاءها مذكراً إيانا

بحكمة صاغها في أبيات من قصيدة (مرِّي على دربي) يقول:

لا تتركيها خوابيك بلا رشف

لا تسكر الخمر إلاّ في خوابيها

روحي بها ظمأ، قلبي به ولهٌ

وخيبتي أنتِ في أبهى معانيها

ولم يحزنه أن لا صدى لصوته سوى صداه هو، وكم آلمه أن ما كان يرجوه قد تبخّر

إن سراً أو علانيةً، يقول:

ناديت حتى غدا صوتي هناك صدى

واصفر مني الرجا في السِّرِ والجهر

وإذْ ذاك لم يك يقدر إلا الوقوف على أطلال من أهاجوا دمعه, وإطلاق مراثيه مكللَّةً بالوجع. يقول:

وعدت أجلس والأطلال محتسياً

كأس العذاب مريراً فاتر الخدر

وكم كنت أود لو جعل الكأس، كأس العذاب أكثر مرارة من كونه فاتراً، لكان أعطانا وقع المرارة، ولكان لي كقارئ أن أتلقاه بأكثر وجعاً.

وكأي شاعر يستحضر الأمس بكل مرارته فيقول:

وجار عليّ زمان عصيب

يصب كؤوس العذاب لتروى

ويردّ على العاتبين بقوله:

فكيف لقلبي ألّا يوالي هواها؟

وقد ضج بالشوق وعدي

وهنا ألفت انتباه الشاعر الصديق إلى أن العجز في البيت تلزمه تفعيلة أخرى لكي يستقيم.

ولعل قصيدة (صقيع) أجمل ما في المجموعة، إذ أنها طوّقت الشاعر بكل مواجعه وأطلقتها زفرات حارة أنتقي منها:

 ناحت على فوت الأماني مقلتي  وبكى بصدري خافقٌ مفجوع

 ولكأني بهذا البيت يلخص كل أوجاع وقهر الشاعر.

 ثم انظر إليه يقول:

والريح في سفني قلوعاً سافرت إذ مزقت مني الشراع قلوع

 ثم يتحدث الشاعر عن غربته، وهو من حيث هو فيقول:

  وحيد، وليلي اغتراب طويل   وعمري مريض مريع.. مريب

ثم يستحضر محبوبته متمنياً ولو نظرة تلقيها، وهو ليس بطامع بأكثر، نظرة تحيل ليله نهاراً، فيقول: نظرة منكِ فالليل نهار صبحه في ملامح الحب أشرق.

 وإذا ما أعياه اصطبارٌ لا طائل له, ولا قدرة له على تحملّه فنراه يلقي غضبه على قلقه وجراحه ويخبرنا أنه والوهم ماضيان إلى حيث لا يدري فيقول:

ويح لجرح طال بي نزفه قد سكن النبض وهماً أشعله

 وإذ أضناه العشق أدرك أن لا شيء يستطيعه إلا الاعتذار عن خطأ لم يك ارتكبه لكنه إرضاء لها يعتذر فيقول:

إذا كنت أخطأت في الحب دربي فهل لي منك الندى والسماح؟

هو شاعر منذور للحب، وليس في ذلك ما يعيبه، فالله محبة،

 ولأن جذوة الحب مضطرمة يقول واصفاً حالته:

يمزق الحب أضلاعي ويشعلها   يحيلني عبر بركان وزلزال

 وليسمح لي الشاعر بقول: إن العجز في البيت أقل جودة من الصدر

ثم يفيق من جنون عشقه يستذكر أمسه كيف كان؟ فهو إن نسي فلا ينسى حبه الأول في قريته، حبه النقي والمنبسط كالمدى فيقول:

ما أجمل الحب في أفياء قريتنا  ينام من غير سقفٍ فوق عرزال؟

 وأن حبه هناك كان حباً طاهراً ونقياً، يقول:

 فالحب طهّرني روحاً وخافقة والحب أشرق في قلبي وأوصالي

 ثم ينقلنا الشاعر إلى أجواء أخرى مبدياً براعته اللغوية وقدراته الشعرية فيقول من قصيدة  (صياد المعاني):

أنا شاعر الروح الجميل أنا الشذى  والعطر منبع نشره أكمامي

 ويضيف إلينا قدرته اللامحدودة على تحمّل مالا يحتمل فيقول:

وأنا حمول النائبات جسورها  تتعجب الأيام من إقدامي

ثم نراه لا قدرة له على مفارقة حزنه لغياب المحبوبة فيقول:

لا صبر عن فقدانها إلا بها    روح تفارق أنسها وخليلها

ولمن يريد أن يعرف قدر محبوبته عنده يقول:

هي الأنفاس في رئتي ونبضي بقلبي والجوى عندي الدليل

أختم فأقول: المجموعة صرخة وجع، وعلى قول (لا مارتين) شاعر فرنسا:

لا شعر بدون ألم.

سيف الدين راعي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار