الوحدة 2-12-2020
النقد الأدبي فعالية نثرية مركبة تحاول التوفيق بين العلم والفن في شرح النصوص الأدبية وتفسيرها وتأويلها وإصدار حكم قيّمة عليها.
ثمة من يعتقد بأنّ الناقد الأدبي مبدع خائب، فهو إما شاعر مخذول، أو روائي مخفق، أو مؤلف مسرحي فاشل.
يستند هذا الرأي إلى مرجعية أسبقية النص الأدبي في الوجود على النص النقدي فالنقد بناء على ذلك تابع للأدب، وهو نص على نص يتحدد به ولا يستطيع الانفلات منه، بل له التقدم عليه فهماً وصياغة.
بهذه المقدمة استهل الدكتور عاطف بطرس محاضرته التي حملت عنوان (النقد الأدبي بين التبعية والإبداع)، وذلك في قاعة الجولان بفرع اتحاد الكتاب العرب في اللاذقية…
بداية أشار د. بطرس إلى أن أسبقية النص الأدبي ليس قيمة فنية، فهي سبق زمني إذ كيف يمكن للأب أن يفاخر ابنه لأنه أسبق منه في الوجود زمنياً، والمعروف أن الابن سيصبح عما قريب أباً لابنه، أما مقولة نص على نص فلا تعني أبداً التبعية، وكثيراً ما يتقدم النص النقدي على النص الأدبي عند النقاد الذين يستحوذون هذه الصفة، والتي لا بدّ له للحصول عليها من مقومات لا تقل أبداً عما يحتاج إليه الشاعر أو الروائي ومعارف ومقومات أعمق وأوسع.
وأكد المحاضر أن النقد يزدهر في الظروف المتوترة اجتماعياً، وفي فترات ازدهار النظريات الفكرية والفلسفية، فلا نقد دون رؤية فلسفية فهو ابن الفلسفة تاريخياً، وفي أحضانها نشأ وترعرع، ثم انفصل عنها وأصبح علماً وفناً مستقلين متمثلاً بمدارس واتجاهات مختلفة قد تبلغ أحياناً حد التناقض، كذلك عملية النقد تتطلب الموضوعية والحياد، وأدبيته تستدعي الذاتية والانفعال وشيئاً من التحيز، والناقد الناجح من يستطيع التوفيق بين ذاتية الفن وعلمية النقد في الممارسة النقدية، والناقد ليس من كتب نصاً نقدياً أو شرح قصيدة أو حلل رواية هو أديب، عالم، فيلسوف، ذواقة على درجة من الحرفية والدراية والمهارة في تناول النصوص وإنتاج القواعد الناظمة له وتحديد السنن المتغيرة للأجناس الأدبية ومحطات تطورها والتجاوز والاختراقات الحاصلة فيها مع تقدم المعارف الإنسانية في حراكها المستمر، أما التنظير للحركات الأدبية وتحديد العلاقات والبنى الداخلية للنصوص بالسياقات المعرفة (اجتماعية، ثقافية) التي أنتجتها، ثم قامت النصوص بتمثيلها، فتلك عملية معقدة لا تتأتى إلا لناقد حصيف امتلك الحس النقدي والوعي الثقافي والخبرة المعرفية في آليات تشكل الإنتاج الأدبي وعلاقاته بالبنى الكبرى التي ساهمت في إبداعه، والإنتاج الأدبي ليس ظاهرة فردية، إنه عملية اجتماعية شديدة التعقيد والتداخل، والنقد وحده من يميز فيها الذاتي(الفردي) من الاجتماعي (الموضوعي) وهذا يعتمد على إدراك العلاقات المتشابكة بين البنى الفوقية والأبنية التحتية وخصوصية التفاعل بينهما ودقته.
وختم الدكتور عاطف بطرس محاضرته بالقول: النقد فن أدبي له أنواعه وحدوده ومرجعياته، وهو إبداع مستقل عن النصوص التي يتعامل معها، له وظائف، ويحتاج الممارس له إلى عدة قد لا تتطلبها الفنون الأدبية الأخرى، والدليل على ذلك قلة عدد النقاد أمام عدد المبدعين في الأجناس الأخرى، وهذا الوضع يفضي بالضرورة إلى عدم قدرة النقد الأدبي على مواكبة الإبداع في الأجناس الأدبية بسبب غزارة الإنتاج بغض النظر عن نوعيته.
رفيدة يونس أحمد