العـــدد 9304
الإثنـــــــين 4 آذار 2019
إذا كان سعر الجاكيت الشتوي – صناعة سورية – وفي موسم التخفيضات 14 ألف ليرة سورية، وما يزال راتب الموظف حامل الشهادة الجامعية 30 ألفاً فإنه حتماً سيبرد إذا لم يشتر من محلات البالة، لأن أحلى وأفضل جاكيت فيها بخمسة آلاف تنخفض إلى النصف بل إلى الألف في التنزيلات.
من هنا.. كثرت محال البالة، فحيثما اتجهت في الأحياء، وفي مركز المدينة، وبجانب المحلات الكبيرة ذات الأسماء اللامعة والماركات العالمية توجد محلات بالة، اعتمد عليها الأغنياء قبل الفقراء، حيث يتاح لهم انتقاء الأفضل تحت اسم كريم 1 وكريم…
معظم المحلات تديرها نساء، وهن يعترفن صراحة أن البضاعة تهريب، وهي لا تحمل أية ورقة رسمية، وتأتي إلى طرطوس عن طريق لبنان.. بعضهن لا يتحملن مسؤولية إيصال البضاعة إلى المحل إذ يقوم التاجر الذي أدخلها إلى البلاد بتوصيلها إلى محلاتهم، والبعض يفضلن الذهاب إلى كرتو – قرية حدودية مع لبنان – لانتقاء ما يرغبن من بضاعة، ولا يحملنها معهن في طريق العودة خوفاً من قطاع الأرزاق – حسب إحداهن – التي تركت للتاجر مهمة توصيلها إلى محلها في مركز المدينة، وتؤكد أن البضاعة بمعظمها صينية، وليست كما الزمن الجميل إيطالية أو فرنسية.
يقوم التاجر – الثقة – بنقل البضائع إلى المحلات التي يتعامل معها، و يقسط ثمنها حسب إمكانية كل بائع أو بائعة و يوصل البضاعة دون أن يفتحها وينتقي النوع الأول منها التي تكون غالباً غير مستخدمة وما تزال تحمل ورقة الصنع ومعلومات المنشأ وغيرها..
تسهيلات جعلت أسواق طرطوس مليئة بمحلات البالة حتى بجانب الوكالات والمحلات التي تحمل الأسماء العالمية المعروفة في عالم الملابس حيث يبلغ سعر (شحاطة بلاستيكية) فيها خاصة بالبحر 25 ألف ليرة سورية فقط ..
مفارقات عجيبة تجبر المواطن اللجوء إلى محلات البالة، حيث الملابس والأحذية،
لكن .. وفجأة تغلق كل المحلات وكأنها لم تكن .. حين تسأل عن السبب تعلم أن الجمارك تركت الحدود، والسيارات التي تهرب البضائع لاتساع الحدود، وصعوبة ضبطها، ولإنعاش الصناعة المحلية، كما أشيع، ودخلت الأسواق وأن حجز البضائع أول العقاب إضافة إلى الغرامات المالية والإغلاق ومنها محلات البالة.
لذلك وحين انتشر الخبر أغلق كل صاحب محل محله، وأخفى بضاعته، وحنى ظهره حتى تمر العاصفة التي استمرت هذه المرة طويلاً..
تقول بائعة بالة: سابقاً وحين تأتي دورية، يمر رجل على المحال قبل وصولها، ينشر الخبر، ويأخذ المعلوم فتغلق المحلات لساعة أو أكثر ثم يعود كل شيء إلى ما كان عليه، وتؤكد أن الرجل وعلى ذمتها هو أحدهم، يوزع المبلغ الحاصل حصصاً ويمضون من حيث أتوا…
لكن اليوم مع الجمارك والحملة القوية اختلف الوضع، أفرغت المحال من البضائع بتهريبها إلى البيوت، أو إلى مستودعات مخفية، وهكذا امتلأت البيوت بالبالة، وبالمعلبات، والدخان المهرب، والماكياج القادم من الصين والداخل عبر الحدود اللبنانية تهريباً وغيرها الكثير من القصص التي نسمعها اليوم من أصحاب المحلات بأنواعها مع وجع وألم وضياع، و صارت البضائع لديهم مخبأة ولا تباع إلا للزبون الثقة.
بثلاثمائة ألف كدفعة أولى يمكنك افتتاح محل بالة إذا كان لديك محل.. هي دفعة أولى تدفعها للتاجر الذي يوصل البضاعة لمحلها – تقول بائعة – وتبدأ بالتقسيط له، والعمل، وتؤكد أن زبائنها من الأغنياء أكثر من الفقراء..
بثلاثمائة ألف ليرة يمكن لسيدة من الطبقة المخملية شراء جاكيت وبنطلون وكنزة، أو طقم رسمي مع بوط شتوي أو كندرة فخمة صناعة وطنية أو مستوردة بشكل نظامي…
لابد أن نذكر أن بعض المحلات الكبيرة والمعروفة لم يهز لها رمش أو يرف لها جفن وما تزال تعمل مع تقليص للبضاعة ملفت.
أن يثبت المنتج المحلي وجوده، وينافس البالة وغيرها قضية رائعة لكنها تحتاج إلى عمل متقن، وضمير، إذ لا أحد في العالم يحب أن يلبس ألبسة مستهلكة، أو سبق لغيره أن لبسها..
أن يستطيع المواطن الشراء من المنتج المحلي الجيد بسعر مناسب حلم نعلقه على أكتاف الجمارك أولاً، وتجار الأزمات، وبانتظار زيادة الرواتب للعاملين في الدولة.
سعاد سليمان