الوحدة 21-10-2020
هنالك مخاوف كبيرة وهواجس مُقلقة يُبديها البعض من أن حالة الإغراق الحالية في حوسبة دقائق تفاصيل الحياة اليومية للإنسان تُنذر بإلغاء إنسانيته ودفعه إلى زاوية خانة الآلية والنمطية ولكن على المقلب الآخر فهناك من يرى بأن شتى تقنيات الكومبيوتر في أبعادها المستقبلية كأداة حضارة مجتمع وتأثيراتها الواضحة على حياة الإنسان في صياغة صناعة المستقبل تَعد بمزيد من صور الاحترام لتفرد الشخصية الإنسانية، وفي نظرة أخرى مغايرة يُنظر إلى كلمة الغد على أنها دلالة على نوعية المنتجات التي يسعى الفرد للحصول عليها وهكذا سيُؤخذ من عبارة بناء الغد معناها غير التقليدي بكل ما يتضمنه من تنبؤ للتوجهات وتصميم للخيارات وتوجيه للمسارات، ويرتبط مفهوم الإدارة كنسيج متلاحم من الكلمة والعبارة التي يتألف منهما عنوان هذا المفهوم في إيضاح أدبيات علوم وفنون الإدارة بكلمات مثل التنبؤ والتخطيط واتخاذ القرار، وإذا كانت إدارة التنظيمات البشرية ليست بالأمر الهين فإن إدارة المستقبل لا بد أن تكون بالضرورة أمراً عسيراً أيضاً فاستشراف معظم التوجهات المحتملة للمستقبل عملية بالغة التعقيد كما ويتطلب إنجازها تضافر وتكامل العديد من العناصر كالقدرة على التعامل مع كم هائل من البيانات المتنوعة سواء كان هذا التعامل جمعاً أو تبويباً أو تحليلاً إضافة إلى توفير الخبرات البشرية القادرة على إبداء الرأي في طبيعة وماهية الموضوع المطروح لدراسة مستقبله وهو في أبسط صوره يقوم أساسه على استخدام تقنيات الاستقراء الرياضي والإحصائي المتقدمة والتي لا يُجيدها إلا قلة قليلة من نخبة المتخصصين في استخلاص التوجهات المستقبلية للموضوع المطروح من واقع البيانات التي تصف الحالة الحاضرة والماضية أيضاً.
من المعلوم أن جذر أساس بنيان مفهوم المعلوماتيات هو مجموع المعارف الأساسية مثل الفلسفة والمنطق و الرياضيات و كذلك البيولوجيا وعلم النفس واللغويات كافة وأما أشكال مُرفقاته التي تُشكل مجموعة فريدة من التقنيات المذهلة بالرؤى العلمية المعاصرة وما تنطوي عليها من المعاني والدلالات فهي حصيلة تزاوج ثلاثة تكنولوجيات بارزة وهي:
– تكنولوجيا معدات الحواسب بما تقدمه من حواسب عالية السرعة وفائقة القدرة ونُظم لخزن المعلومات بجميع أشكالها وتجهيزات تحاور احترافية الأداء.
– تكنولوجيا البرمجيات بما تشتمل عليه من نُظم لإدارة قواعد البيانات والمعلومات وإنتاج أنواع البرامج وكذلك برمجيات تغطي كل مجالات ومناحي الحياة المختلفة.
– تكنولوجيا الاتصالات بما تطرحه من أساليب وتقنيات رقمية لربط شتى أنواع الكومبيوترات ببعضها البعض أياً كان موقعها ومكانها على وجه البسيطة.
ومع الارتفاع المستمر في درجة ومستوى معيشة بعض أفراد المجتمعات وبغية إرضاء أمزجتهم ومسايرة أذواقهم الشخصية فلا بد عبر المنظور المعلوماتي من ضرورة التعامل مع صنوف المعلومات المتشعبة التي تتنوع تنوعاً كبيراً بقدر تنوع الأمزجة الشخصية والتي تعجز معظم الأساليب التقليدية عن القيام بها إلا من خلال ابتكار حلول وبناء تصورات عصر حضارة المعلوماتيات.
تبرز المعلوماتيات التي تُقدم برمجيات للتنبؤ القائم على الاستقراء والتي بدورها تُسهل لغير المتخصصين التعامل معها مباشرة إلا أن الاكتفاء بهذه التقنيات يحمل في طياته أوجه قصور عديدة من أبرزها ارتكازه على فرضية أن القوانين التي تحكم ما قد يحدث غداً هي نفسها التي تحكم ما يحدث اليوم وما حدث سابقاً ولذا كان من الضروري جداً الاستعانة بالنماذج التي تصف جوانب الموضوع بواسطة تضمين معادلات ونماذج قوانين تحكم شتى السلوكيات المستقبلية، وتجدر الإشارة إلى تقديم المعلوماتيات للمنظومات الكومبيوترية والتي لولاها لما تمكن أحد ما من بناء صروح النماذج وحل المعادلات ويبقى عنصر الخبرة البشرية المتعلقة بالموضوع والمتمثلة على هيئة وصورة أفكار وآراء وتصورات الخبراء مستعصياً على الصياغة الرياضية إلا من خلال برمجيات معالجة عمق التفكير الإبداعي الذي يستخدم حروف الاستعارة والكناية والتشبيه لاستلهام الأفكار الجديدة، وفي الحديث عن حيز التخطيط ودوره في إدارة مستقبل الغد فيُلاحظ المرء بأن دور البرمجيات في مضمار التخطيط يتمحور في إتاحة الفرصة لدراسة آثار ما يُخطط لعمله في المستقبل وهذا يُمكن من المفاضلة بين البدائل المختلفة كافة مما يساعد على اتخاذ أفضل وأنسب القرارات.
د. بشار عيسى