الوحدة 16-9-2020
كنا ومازلنا في محافظة اللاذقية نعلم بزيارة أي مسؤول إلى المحافظة قبل ٢٤ ساعة من حصولها، والسبب بسيط ومعروف للجميع، فما أن يهرع عمال الخدمات إلى تنظيف الشوراع، وتقليم الشجيرات الطرقية، حتى نصبح على يقين بأن المسؤول قادم في الطريق، ويبدو أن هذا النهج مازال متبعاً عند وزرائنا ومسؤولينا، وجولاتهم المكوكية لقطاعات تابعة لهم خير دليل على ذلك.
مع سرعة وصول الحدث في أيامنا هذه إلى المتلقي، بات المسؤول يعتمد في تمتين روايته على صورة التُقطت، أو مقطع (فيديو) صوّره المرافقون له في جولته الاستطلاعية، ليقص علينا بعدها أحسن القصص، ويرسم لنا مشهداً وردياً عن الواقع.
بالأمس أطل علينا السيد وزير التربية من مدارس نموذجية غير مكتظة أو مزدحمة، فقد خُصص كل طالب بمقعد منفرد مع كتبه الجديدة التي زُينت (ببالونات) ملونة، وحُزمت بشريط حريري، في مشهد يدعو إلى الفخر والاعتزاز، ويدخل الطمأنينة إلى قلوبنا جميعاً.
انتهت جولة الوزير، وطويت الصورة، وانتظرنا أبناءنا العائدين من أيامهم الدراسية الأولى، لنسألهم عما شاهدوه في فصولهم الدرسية بعدما تابعنا جولة وزيرهم الجديد على مواقع التواصل الاجتماعي.
يروي الأبناء قصة مختلفة تماماً، إذ أن صفوفهم مكتظة، وكتبهم مدورة من العام الفائت، وشرائط الزينة لا وجود لها، والتقيد بالتباعد لا أساس له، وهكذا دواليك.
نبحث مع طلاب آخرين في مدارس أخرى، فنسمع ذات الرواية، ونضطر للتصديق على اعتبار أن شهود (العيان) هؤلاء لا مصلحة لهم في تزوير الواقع، وعندهم من البراءة ما يكفي لنسير معهم في سردهم لتفاصيل عاشوها، فيبقى السؤال الأبرز: أين صور الوزير تلك المشاهد السريالية!.
حاولنا خلال الأيام والأسابيع الماضية أن نتفاءل بإصرار وزارة التربية على افتتاح المدارس، ووضعنا أيدينا بمياه باردة بعدما سمعنا عن التحضيرات الفنية لاستقبال العام الدراسي، فالغالبية تريد للعملية التعليمية أن تعود إلى سابق عهدها بشرط الحفاظ على صحة المجتمع، ولكن وزارة التربية -بلسان وزيرها- اعتبرت أن من يرفضون هذه العودة هم بعض المشاغبين على مواقع التواصل الاجتماعي، وهنا أيضا كانت الوزارة مطالبة بتكذيب هؤلاء، ودحض ادعاءاتهم بعد ولوج أبنائهم إلى المدارس، إلا أن (المشاغبين) إياهم أيدوا منطقهم بصور من أرض الواقع لمدارس تشبه علبة الكبريت، وكتب مدورة بالية بنماذج محلولة، في حين اكتفت الوزارة المعنية بجولة السيد الوزير على مدارس منتقاة سلفاً، وأرفقتها بتصريحات من سنح هذه الجولات.
بالمنطق والعقل، لو كانت نصف مدارس القطر على شاكلة الصورة المقدمة في جولة الوزير، ونصفها الآخر يشبه ما يقدمه (مشاغبو) مواقع التواصل، لتغلب منطقهم على منطق الوزارة، وهذا أمر لا يحتاج إلى شرح طويل، لأن الايجابية يجب أن تعم المشهد بأكمله، والاستثناءات السلبية يجب أن تكون موضعية لا عامة، كي يكون العلاج أيضا موضعياً على اعتبار أن الشذوذ موجود في كل مفاصل العمل، ولا غرابة في ذلك.
نعلم علم اليقين أن عودة الطلاب إلى مدارسهم هي إرادة الدولة والمجتمع بأكملهما، وليست رغبة فردية أو تحد من شخص يشغل منصباً متقدماً، ولكن هذه الإرادة يجب أن تُنفذ بعقول منفتحة لا تقبل الاعتداد بالرأي الواحد، فإن سألنا أي عاقل في بلدنا عن مدى الجاهزية الفعلية لمرافقنا، لجاء الجواب مطابقاً للواقع، و لا داع لنضحك على أنفسنا، بل علينا توسيع بيكار المشاورات كي نصل إلى حل ناجع، نعود من خلاله إلى حياتنا الطبيعية بنفوس مطمئنة.
جدير بالذكر أننا قدمنا هنا مقترحاً متواضعاً لطريقة العودة إلى المدارس، وتمنينا أن تطلع عليه وزارة تربية أبناءنا لعلها تجد فيه ما ينفع، وقد عزز مدير صحة السويداء اقتراحنا باقتراح مشابه إلى حد التطابق، فيا حبذا لو يطلع السيد وزير التربية على هذا المقترح، ويحاكمه بعقل بارد..(على أمل).
غيث حسن