مجلـــس مدينـــة طرطـــوس يهـــدر المليــــارات.. تعديات على حصة المواطن بالبحر واستثمارات تثير العجب

رقــم العــدد: 9301
27 شــــــــباط 2019

تتوضع الصخور بتراص رائع لتعطيك الإيحاء بروعة العناق بين عناصر الطبيعة، يصطدم الموج الهادر فينثر عليك رذاذ قطرات الملح من بحر حالم يغفو على شاطئ تملؤه الذكريات، سفينة الفينيق التي يشكلها توضع هذه الصخور على شاطئ طرطوس تجعل هذا الإنجاز من أروع الهندسات تصميماً وأشدها دفئاً، لا ينقص هذا الشاطئ أي نوع من الإبداع ولا يمكن لأي شخص مهما بلغ تشاؤمه ألا يحس بروعة الجهد المبذول والتصميم الفريد الذي راعى أبسط الأمور التي تخص عامة الناس، فالمخطط يحوي كل ما تتطلبه عائلة بسيطة الدخل من دواعي السياحة، حمامات عامة – أدواش ما بعد السباحة – مقاعد للجلوس – أكشاك للتبضع – وممرات بديعة بين الصخور لمن يريد ممارسة الرياضة، لا شيء تمّ إغفاله ليكون ملاذاً حقيقياً لأهالي طرطوس أو حتى للزوار من بقية المحافظات بأسعار تناسب الجميع. الكورنيش – هو باختصار واجهة مشرفة لمحافظة طرطوس ومفخرة لأهاليها، ولكن…


الواقع الخدمي.. حالياً
لو أحببت المشي على هذا الصرح الرائع فجهّز نفسك جيداً ولا تنسى أنت وأطفالك (التبول) في بيتك وعدم الإكثار من السوائل، فلو حصل وباغتكم (نداء الطبيعة) فلن تجد حماماً تقضي فيه حاجتك، خذ قسطاً من الراحة قبل قيامك بنزهة ترفيهية كان من المفروض أن تكون هي راحتك ولكن المقاعد المحطمة أو حتى المخلوعة بشكل كلي من مكانها ستتركك لاهثاً تحاول التقاط أنفاسك متكئاً على عمود ما إن لم يحالفك الحظ في إيجاد نصف مقعد من المقاعد القليلة التي مازالت في الخدمة، امسك بأيدي أولادك بقوة رغم أنك في الأصل تقصد إعطاءهم فسحة لعب وتحريرهم من جدران المنزل وجعلهم يستمتعون بطفولتهم بحرية ولكن الضرورات تبيح المحظورات فقد تأتيك (على غفلة) سيارة فارهة تسير على رصيف خصص للمشي لك ولفلذات أكبادك ولا نريد أن تقع الكارثة لا سمح الله، اجلس على قارعة الممرات وعلى ما تيسر لك من أحجار رصيف مرتفعة وخلفك تماماً تمتد المساحات الخضراء المتخمة بالكراسي والطاولات المأجورة التي قد تصيبك أسعار الجلوس عليها بالصداع الفوري كرب أسرة موظف، وهذا بعض الواقع المزري فقط ، يحزنك تماماً على طول الكورنيش غياب أي مرفق خدمي باستثناء نقطة صحية وملعب مأجور (بسعر سياحي)، وتنتصب بالمقابل تلك المطاعم والمقاهي الفارهة، أسماؤها رنانة وأسعارها كاوية، تشمخ بكل جبروت تصاميمها الفخمة غير عابئة بجيش الفقراء المنتشر حولها وأكثر ما يمكنهم فعله هو استراق النظر لا أكثر، بنجومها المرصعة فوق الأبواب ورفاهية أثاثها الظاهر يدرك كل ذي دخل متواضع استحالة الولوج والملفت أن بعضها انتصب بطوابق مدعمة بتراسات احتلت أفضل الأماكن المطلة على البحر فحجبت حتى المنظر في بعض المواقع عن فقراء الشعب، نصبت أيضاً مولداتها الكهربائية الضخمة على الرصيف كي ينعم زوارها بعبق المكان المرفه ونشرت عبير روائح الشحم والوقود لمن يمر بجانبها وكأن لا سلطة تحكمهم ولا قانون.


المقاعد محطمة.. والكورنيش كراج
لو ظننت أن الوضع ينتهي هنا فأنت مخطئ، في ذروة مواسم عملهم يكون الرصيف المحيط بهم مجرد كراج ( parking ) لسيارات مرتادي هذه الأماكن وتجد من يغسلها ويهتم بجمالها حتى لو نثر المياه على طول الكورنيش وتدفقت السواقي الآسنة لتزيد من معاناة المتنزهين، والأشد ألماً أن ترى المقاعد الخشبية والحجرية قد دمرت تماماً بفعل فاعل (هل خربت لتجبر الناس على ارتياد هذه المطاعم؟) وألقيت بشكل يوجع قلب كل محب لهذه المحافظة وأكثر ما يستطيع فعله هو الوقوف على الصخور وتنشق هواء البحر ومن البعيد أن يشبع ناظريه بالأمواج فقط دون التفكير بالسباحة مطلقاً فلا وجود لأدواش استحمام أو مشالح رغم وجود مدرجات إسمنتية وكواسر أمواج على النمط العالمي والتي تصمم خصيصاً لتكون أماكن للسباحة ولكن الأمر معكوس هنا وبغرابة تصدم بلوحة مهترئة كتب عليها (غير مخصص للسباحة.. مجلس مدينة طرطوس) ومن هنا بدأنا هذا التحقيق.


مجلس المدينة وفتح الملفات
قصدنا القاضي محمد الزين رئيس مجلس مدينة طرطوس (وللأمانة فإن المقابلة تمت فوراً وأجيبت كل مطالبنا) وغايتنا كانت مخططاً تفصيلياً لشاطئ طرطوس لنتبين حقيقة النقص أو عدمه عن وجود مرافق خدمية في الأصل الإنشائي، قدمنا طلباً خطياً وحصلنا على الموافقة وأمامنا كتب (عاجل جداً)، لكننا اضطررنا للانتظار مدة شهرين كاملين وبعد ثلاثة عشر مراجعة بالتمام والكمال وبعد أن أنهكنا بالتوضيح التفصيلي لما نريد تحديداً وأصابنا الإعياء الشديد على كثرة الشرح بأن ما نطلبه هو الأصل الإنشائي والتسمية الوظيفية لهذه المطاعم الفاخرة المرمزة في المخطط البلدي (غير المصادق عليه) بالأحرف A. B.C.D وهل هي في أصل المخطط موضوعة كمنشآت سياحية أم مرافق خدمية للناس؟ وبعد تنقل الطلب بين كافة دوائر مبنى البلدية (وأغلبها تملص من الرد وأحال الطلب لدوائر أخرى .. ولدينا كل التحويلات وتواريخها بشكل موثق) وأحياناً ضياعه وملاحقته تمكنا من الحصول على شرح لم يكن ما طلبناه فعلياً، وتم إغفال التسمية الوظيفية الأولى باستثناء موقع واحد تم ذكر أنه خصص كأدواش وليس مطعماً لهذه الأماكن واستفاضة غير مطلوبة بشرح قرارات مجلس المدينة بشأنها وقيمة العقود المبرمة وأصحابها والتعديلات الكثيرة التي سمح بها اعتماداً على قرارات المجلس، أصرينا مجدداً على ملاحقة الكتاب وإعطائنا ما نريد فطلب منا توجيه كتاب آخر بما يشبه التعجيز والتظاهر بعدم فهم غايتنا ودقة تحديدها في الكتاب الأول وكأننا نطلب شرحاً لموقع على سطح القمر.


رد مجلس المدينة والبلدية
رضينا بما أعطي لنا بعد صبر أيوب وإدراكنا أننا لن نحصل على ما نريد فعلياً وتقريباً تم الهمس لنا بذلك من الشرفاء لنكتشف ما هو أشد إيلاماً مما كنا نظن، فلم يعد الأمر مجرد استغلال لمرافق خدمية وتأجيرها على أنها سياحية بل أصبح ملفاً معقداً ومشبوهاً اكتشفنا فيه أن مجالس المدينة المتعاقبة والمكتب التنفيذي أعطت تسهيلات وأصدرت قرارات أقل ما يقال عنها (مشبوهة بشدة) لا تخدم إلا أصحاب هذه المنشآت متجاهلة كل مصلحة للمواطن، ومضحية بمصلحة مدينة طرطوس نفسها بما يضيع عليها مئات ملايين الليرات، وبناء على ما أعطي لنا في رد رسمي رقم 3865 تاريخ 6/12/2018 نكتشف ما يلي..
مبانٍ ضخمة.. واستثمارات مشبوهة
في حين أن هذه المجالس ادعت توفير بعض الموارد لخزينة المدينة نكتشف وبسهولة أن هذه القعود المبرمة كانت شديدة الإجحاف بحق المدينة وقيمة العقود المبرمة لا تمت لواقع سوق الإيجارات المتعارف عليها بأي صلة، وهذه بعض تفاصيل العقود كمثال بسيط على حجم الإجحاف والتجاوز.
* المبنى الخدمي A وهو فعلياً بأصله الإنشائي دورات مياه للعموم مستثمر بموجب العقد 35 لعام 2015 بقرار مكتب تنفيذي رقم 154 مدته عشر سنوات بمبلغ مالي وقدره ( ستة ملايين ليرة سورية) ، أي ما يقارب ستمائة ألف ليرة سورية عن كل سنة.
* المباني الخدمية C – D – B أصلها الإنشائي مشالح وأدواش استحمام بعد السباحة ودورات مياه للعموم ويتشابهون مع سابقهم بقيمة العقد المالية ومدة الاستثمار وكل واحد من هذه المواقع يحتل مساحة تقارب من 500 متر مربع أي ما يعادل ألف ومئة ليرة لكل متراً مربعاً إيجار سنوي (تصوروا ضخامة الموقع وقلة الإيجار).
* مقاهي الرصيف (A-B) ، يتوضعان على الطريق تماماً وبموقع مميز للاستثمار وفي مكان يضج بالحركة مستثمرين بعقود مدتها خمس سنوات وقيمة العقد عن السنوات الثلاث الأولى 1750000 ليرة سورية وكالعادة (تراب المصاري).
* ثمانية محلات على الكورنيش البحري مساحة كل محل 22 متراً مربعاً بمدة استثمار خمس سنوات وبقيمة ( 190000 ) مئة وتسعين ألفاً لكل سنة (وهنا الكارثة).


العقود تسمح .. لكن (التبول) ممنوع
ورد في العقود الموقعة مع مستثمري الأبنية الخدمية في المادة / 10 / ما ينص على عدم منع الحركة على الممرات البيتونية أو إغلاقها وعدم وضع أية إشغالات مهما كان نوعها خارج منطقة الاستثمار ويلتزم المستثمر بأن يبقى الشاطئ مفتوحاً للعموم، وهنا نسأل مجلس المدينة الموقر عن أحواض الورود المنتشرة على الممرات كنوع من تحديد التبعية أو حتى تلك المولدات الضخمة والتسرب النفطي والأوساخ المنشرة بجانبها ونسألهم عن أسطول السيارات التي تقف على الممرات المخصصة للمشاة بما يجعل هذه الأرصفة مجرد (كراج) لهذه المرافق، ألم يروا هذه المخالفات الفاقعة؟ أين الإجراءات التي اتخذت بحق المستثمرين ولماذا يترك لهم الحبل على الغارب.
المادة / 15 / تنص على إلزام المستثمر بتنفيذ دورات مياه وأدواش ومغاسل ومشالح للرجال والنساء مع ملحقاتها اللازمة وبشكل منفصل عن الكافتيريا، وطبعاً لا وجود لأي مشالح أو أدواش على طول الكورنيش بتاتاً ولم يلتزم أي منهم بهذا البند باستثناء دورات مياه نادرة في القبو وأغلب الأوقات تغلق دون توضيح السبب وخصوصاً في أوقات الذروة وحتى لحظة إعداد هذا التحقيق كانت مغلقة بوجه العموم منذ أشهر ولا يوجد حتى ما يدل على وجودها، فليتفضل مجلس المدينة ويشرح لنا ما الإجراءات التي اتخذها حفاظاً على حقوق مواطني المدينة، إذا كان (التبول) ممنوعاً؟
طوابق مخالفة.. وكشك الفقير يهدم
في دفتر الشروط الموضوع من قبل مجلس المدينة لنفس هذه المنشآت وفي المادة الرابعة الفقرة /1/ منه ورد البرنامج التوظيفي لهذه المشاريع والوصف المحدد بالمخططات وكتب فيها حرفياً (طابق واحد جمالوني بارتفاع أعظمي لأية يتجاوز 6 أمتار للذروة وبمساحة 300 متر) ، على الورق كل شيء رائع وملتزم به ولا وجود لأية تجاوزات وأرض الواقع تخيفك من شدة البلاء الذي تراه، فالمخالفة هنا لا تتعدى كونها طابقين كاملين (فقط ) لترى بعض هذه المطاعم وقد انتصبت بثلاثة طوابق ومتجاوزة فوق ذلك المساحة المعطاة لها بما يفوق الضعف في التراسات الأرضية وحين ضمنت صمت أصحاب الشأن من البلدية تغولت باستفحال وقح واحتلت الأرصفة الحجرية البحرية وحددتها كمناطق نفوذ تتبع لها بأن وضعت أصايص الورود دون رادع لتصير مناطق محرمة على الناس وخاضعة بالقوة لإرادة هؤلاء المستثمرين، فكيف تبلغ التجاوزات حد بناء طوابق كاملة بما يخالف دفتر الشروط بشكل صارخ متجاوزاً كل القوانين والأنظمة وعين البلدية مغمضة بينما تكون شديدة القوة كعيون الصقر إن كانت المخالفة لكشك فقير يطارد رزقه في هذا الزمن الضنك.


مقارنات.. وحقائق مرعبة
في جولة سريعة على بعض المنشآت السياحية الخاصة المؤجرة وبعد سؤالهم عن قيمة الإيجار تبين أن معظمها يبلغ إيجاره الشهري وبمعدل وسطي ما يقارب النصف مليون ليرة سورية، حتى أن أحد الكافتيريات تبلغ مساحتها 40 متراً مربعاً فقط والتي لا يفصلها عن الواجهة الغربية سوى الشارع مؤجرة بقيمة 200 ألف شهرياً، لا بل أن محلاً (وليس منشأة) عادياً للوجبات في المشبكة بلغ إيجاره السنوي تسعة ملايين ليرة سورية، إحدى المنشآت السياحية المقابلة للكورنيش بمساحة 300 متر مربع وتتبع لاتحاد العمال مؤجرة بقيمة 37 مليون ليرة سنوياً ولهم ترفع القبعة لحفاظهم على حقوق العمال في المدينة واستثمارهم بالقيم السوقية الحقيقية، فبأي نظرة سننظر لمجلس مدينة يؤجر 500 متر مربع في أفخم المناطق وأشدها إقبالاً واكتظاظاً على نفس الكورنيش بمبلغ لا يتجاوز عشرة بالمئة من قيمة إيجار عقار عادي في مكان أقل أهمية، أي مجلس شديد (النزاهة) يمتلك 560 ألف متر مربع (هذا الرقم حقيقي وليس خيالاً وهو عقارات سياحية وليس أراضي) من المنشآت المؤجرة لا تتجاوز قيمة إيجاراتها خمسين مليون ليرة سنوياً، أية تسمية أو وصف يستحقها مجلس مدينة لم يحصل أكثر من نصف مليار ليرة مستحقة على أحد المستثمرين في أحد المواقع المعروفة على الكورنيش منذ عام 2009 ، إلى متى سيستمر هضم مئات الملايين ويمكن أن تصل لمليارات لو استثمرت بالقيمة السوقية الحقيقية دون (محسوبيات وتنفيعات) لعقارات محافظة قدمت فلذات أكبادها وسطرت أروع ملاحم التضحية الحقيقية وتستحق أن تشهد تنمية حقيقية بمواردها منفردة دون الحاجة لأي مساعدات حكومية، لا بل بإمكانها المساهمة في إعادة الإعمار للوطن، وهذا غيض من فيض وما خفي كان أعظم.
الرقابة والتفتيش.. المحافظ
سيد الوطن الرئيس بشار الأسد في أحدث خطاب له قال: (أحد الجوانب الإيجابية لقانون الإدارة المحلية هو توسيع المشاركة في تنمية المجتمع المحلي الذي يقوم بإدارة الموارد)، بلسان كل مواطن طرطوسي غيور يسعى لتنمية محافظته مؤمناً بكلام السيد الرئيس نتساءل عن قانونية هذه العقود وهل تمت مراجعتها وتدقيقها من هيئة الرقابة والتفتيش كجهة تحرص على الشفافية وتعتبر مثلاً في النزاهة والشرف وتشرف على صحة أي عقد وحق كل جهة فيه وخصوصاً أن هذه العقود أضاعت مئات الملايين كانت ستشكل نقلة خدمية مميزة لصالح المدينة، وأيضاً من محافظ طرطوس والذي تعودنا منه ولمسنا في كثير من الحالات متابعته الجدية والحثيثة لكثير من القضايا المحقة التي تنشر سواء بالإعلام الرسمي أو حتى على منصات التواصل الاجتماعي بإيقاف تجاوزات هؤلاء المستثمرين وإيقاف تغولهم وتعديهم على أبسط حقوق المواطنين مدججين بقرارات مجلس مدينة يغض الطرف لصالحهم… كلنا أمل.

كنان وقاف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار