الوحدة: 29-6 -2020
في ظلِّ التطور التكنولوجيّ الذي نشهده في عصرنا الحاضر ظهر مصطلح جديد بالعينية يُعرف بإجهاد العين الرقمي )digital Eye Strain ليكون بحثاً علمياً أعد لنيل إجازة دكتور في الطب البشري للطالب محمود أسامة مصطفى بإشراف أ. د. تيم رفيق درويش رئيس قسم أمراض العين وجراحتها في كلية الطب البشري .
إذ أصبح لدى العديد من الناس وظائف تتطلّبُ منهم المكوث مطوّلاً لساعات على الشاشات الرقميّة كـالحاسب الآلي، شاشات التلفزة والموبايل وغيرهم الكثير، كما باتت الألعاب الإلكترونية ومشاهدة أفلام الكارتون على الهواتف المحمولة من الأمور المسلِّية التي يعشقها الكثير من الأطفال، دون أن تهتمَّ الأمّهات بالمشكلات الصحيّة التي قد تصيب أبناءهنَّ عند البقاء لفترات طويلة أمام شاشتها، وبات الكثير من الطُّلاب يُفضلون قراءة الكتب الإلكترونيّة PDF، بدلاً من المطبوعة ما يدفعهم لاستخدام الهواتف الذكيّة والأجهزة اللّوحيّة لفترات طويلة وبالتالي تتعرض أعينهم لمشكلات صحية مختلفة حال عدم الالتزام بالضوابط والنصائح اللازمة للقراءة الإلكترونيّة.
الأمر الذي أنشأ لدينا أمراض جديدة لم نشهدها من قبل إضافةً لمشاكل وآلام العمود الرقبي تلك الأمراض شكّلت تحدّياً حقيقيّاً لصحة العين وعلى رأس القائمة “إجهادُ العين الرقميّ” موضوع بحثنا الحاليّ، والناتج عن التحديق المُطوَّل في الأجهزة الباعثة للإشعاع الأزرق كشاشات الكمبيوتر، والتلفاز، والهواتف المحمولة سواء لأغراض العمل أو الترفيه أو حتّى التواصل الاجتماعيّ يوميّاً.
وبما أنَّ أعيُننا هي نافذتنا للاطّلاع على العالم، يتوجّبُ علينا المحافظة عليها، وذلك من خلال اتّخاذ خطواتٍ وقائيّة جديّة لحمايتها من الأمراض المرتبطة بالأجهزة الرقميّة الحديثة مثل جفاف والتهابات العين، وضبابية الرؤية وحس حرقة بالعينين وغيرها من الأمراض الناتجة عن الاستخدام العشوائي للأجهزة المزوّدة بالشاشات، وسيُضاف إلى قائمة المسببات في المستقبل القريب خوذات الواقع الافتراضي VR. إذ يمكن أن يحتوي الضوء الذي نشاهده باللون الأبيض على مكوِّن ضوء أزرق بنسبة كبيرة ، مما يعرض العين لارتفاعات خفيّة في شدة الأطوال الموجية داخل الجزء الأزرق من الطيف الضوئي وتتراوح هذه الأطوال الموجية من 380 إلى 500 نانومتر بينما يتراوح نطاق الضوء الأزرق البنفسجي الذي يُحتمل أن يكون أكثر ضرراً لخلايا الشبكية من 415 إلى 455 نانومتر.
بعض الأجهزة الرقمية يمكن أن ينبعث منها مستوى عالٍ من الضوء الأزرق، عادةً بأطوال موجيّة بدءاً من 400 نانومتر. التقينا محمود مصطفى ليحدثنا عن بحثه ؟
-كيف يؤثر الضوء الأزرق على درجة استجابة الإنسان للنوم؟
اكتشف العلماء مُستقبِلات للضوء في شبكية العين حساسة للضوء الأزرق حيث تقوم بالتقاط مقدار الضوء الأزرق في البيئة المحيطة وتُرسل المعلومات إلى النواة فوق التصالبية. بالتالي عندما يكون هناك مقدار كبير من الضوء الأزرق (كما يحدث عندما تكون الشمس في كبد السماء)، تحثُّ مستقبِلات الضوء هذه النواة فوق التصالبية على إخبار الغدة الصنوبرية ألا تُنتِج كمية كبيرة من الميلاتونين، وبالتالي نظل مستيقظين. وعندما تبدأ الشمس في الغروب، يتضاءل مقدار الضوء الأزرق، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات الميلاتونين التي تحثنا على النوم. لذلك فإنّ التعرض للضوء الأزرق عبر الشاشات الرقمية بشكل كبير، يثبط إفراز الميلاتونين؛ فيمنع من الحصول على القدر الموصى به من النوم للفرد، وبالتالي عدم الحصول على نوم عميق صحي وخلل بالإيقاع اليومي (الساعة البيولوجية) للفرد، والمزيد من الإرهاق للعين.
-الضوء الأزرق وتأثيره الضار على العين؟
كلّ جهاز رقمي، بالإضافة إلى أجهزة انبعاث الضوء كـمصابيح الفلورسنت، التي تمتلك ديودات باعثة للضوء(LEDs) تشعُّ الضوء الأزرق بطول موجة معين، وتشير الأبحاث إلى أنَّ التعرض التراكمي والمستمر للضوء الأزرق يمكن أن يتلف خلايا شبكيَّة العين.
إذ يخترق الضوء الأزرق شبكية العين بشكل أعمق مقارنةً باختراق الأشعة فوق البنفسجية، لذلك قد يؤدي التعرض المستمر إلى إتلاف الشبكية، عن طريق تعريض العين لارتفاعات خفية بكثافة. فيرتبط التعرض التراكمي للضوء الأزرق بالتنكّس البطيء لخلايا الشبكية، مما قد يؤدي إلى تسريع مشاكل الرؤية على المدى البعيد كالضمور اللطخي المرتبط بالعمر وكثافة عدسة العين (الساد.(
قد يكون جزء من هذه الظاهرة سببه كما ذكرنا سابقاً أن الضوء الأزرق له طول موجي أقصر مقارنة بألوان أخرى، وبالتالي لديه طاقة أكبر، بالرغم من أنه لا يزال من غير الواضح مقدار الضوء الأزرق ومدّة التعرّض له التي تؤدي لإتلاف خلايا الرؤية البصرية، لكن من الضروري معرفة أن الضرر لا رجعة فيه ولا يمكن عكسه ومعالجته
-أسباب إجهاد العين الرقميّ ؟
على الرغم من عدم وجود مسؤول وحيد متسبب في إجهاد العين الرقميّ، إلّا أنّ العديد من العوامل البيئية يمكن أن تساهم في ذلك، وتشكل الأسباب الشائعة لإجهاد العين ما يلي:
- استعمال الأجهزة الإلكترونية واللوحية مطولاً ولأكثر من ساعتين متواصلة دون أخذ قسطٍ من الراحة.
- قراءة المستندات الإلكترونيّة دون توقف لراحة العينين كالتحديق في صفحات يكون فيها التباين اللوني بين النص والخلفيّة ضعيفاً.
- التعرُّض للضوء الساطع أو الوهج أثناء اللهو على ألعاب الفيديو والهاتف.
- نظارات أو خُوذ الواقع الافتراضي الّتي يتمُّ تركيبها بالقرب من العينين.
- العمل على الأجهزة الرقميّة في ضوء محيط خافت جداً كالكتابة ليلاً.
- وجود حالة مرضية في العين، كجفاف العين أو الرؤية غير المصححة (خطأ انكساري.(
- التعرّض لهواءٍ جاف متحرك قادم من المروحة أو نظام تكييف الهواء أثناء التحديق المطوّل بالأجهزة الذكية؛ ما يعرِّضها للجفاف.
- خلل نظام الرمش الطبيعي عند التحديق المطوّل على الشاشات.
- وضعيات الجلوس الخاطئة أثناء العمل على الكمبيوتر.
-أعراض إجهاد العين الرقميّ ؟
وفقاً لجمعية طب العيون الأميريكيّة، فإنَّ أكثر أعراض شيوعاً هي: إجهاد العين، الصداع، عدم وضوح الرؤية، جفاف العين، وآلام الرقبة والكتفين. الوهن العضلي (Asthenopia) هو المصطلح الرسمي لإجهاد العين، حيث تم وضع تصنيفين مميزين ومجموعة من الأعراض من قبل Sheedy et al. عندما لاحظ أنَّ الأعراض الخارجيّة للحرق والتهيج والانزعاج ترتبط ارتباطاً وثيقاً بجفاف العين، في حين أنَّ الأعراض الداخليّة من الإجهاد والألم والصداع خلف المقلة مرتبطة بضغوط تكيّف الرؤية (المطابقة) لكلتا العينين.
وقد يكون لمتلازمة رؤية الكمبيوتر العديد من الأعراض، ولكن لا يعاني المصابون بها من جميع تلك الأعراض في وقت واحد.
نذكر منها الأكثر شيوعاً:
- حكة العين وجفافها: تتمثل في الحاجة إلى حكِّ العين باستمرار، مولِّداً إحساس بوجود رمال بين الجفون أو كدبابيس صغيرة داخل العين، وقد تؤدي الحكة الدائمة إلى خدش العين، وبالتالي احمرارها وتورمها.
- تهيّج واحمرار العين.
- ازدواج الرؤية (شفع الرؤية).
- عدم وضوح الرؤية أو ضبابيّة الرؤية: يمكن أن يؤدي المكوث الطويل أمام الشاشات إلى أن تصبح الرؤية ضبابية للغاية، نتيجة الافتقار للراحة المصاحبة بالتعب واحمرار العين فضلاً عن وذمة الجفن، يتم فقدان دقة الرؤية وتهيج أغشية العين.
- الصداع الشديد المستمر : الذي يتمركز خلف المقلة.
- وذمة الجفن: تتضخم الجفون بسبب حدوث خدش أو تعب بصري رقمي. كما يولد ذلك احمراراً في العين.
- آلام الظهر والرقبة: نتيجة إمالة الرأس للأمام لتفحص الهاتف ما يزيد من الضغط على العمود الفقري و يساهم في ما يُعرَف بالرقبة النصيّة” التي تؤدي إلى انقراص وتمزق والانهدام المُبكر للفقرات الرقبيّة.
إجراءات وقائية أساسيّة للحفاظ على صحّة العين
ذكرت جمعية البصر الأمريكيّة الشروط الأكثر ملائمة وأماناً لاستخدام الأجهزة الذكيّة ولاسيّما الكمبيوتر:
1-موقع شاشة الكمبيوتر:
يجب أن تكون شاشة الكمبيوتر من 15 إلى 20 درجة تحت مستوى العين (قرابة 4 أو 5 بوصات)، و العينين تبعدان عن وسط الشاشة من 20 إلى 28 بوصة.
ملاحظة: تساوي كل بوصة 2.54 سنتيمتر تقريباً.
2-المواد المرجعية (كالمستندات أو الأوراق):
من الأفضل أن تكون أعلى لوحة المفاتيح وأسفل الشاشة؛ والهدف من ذلك تقليل أو عدم الحاجة لتحريك الرأس مراراً للقراءة.
3- ضبط الإضاءة المحيطة:
لابدّ لبيئة العمل أن تكون بإضاءة معتدلة (ألا تكون قوية ولا تكون خافتة للغاية (لتفادي حالة التباين في مستوى السطوع (الذي قد يصدر عن النافذة أو ضوء في الغرفة) ويمكن باستخدام المصابيح الموفرة للطاقة وفلاتر الشاشة التي ترشح الوهج للشاشة من الإضاءة المنعكسة.
إنّ تخفيض سطوع الشاشة إلى مستوى مریح أمر جيد من خلال تصحيح إعدادات السطوع والتباين، وضبط حجم النص على جهاز الكمبيوتر الخاص بك لتسهيل قراءته، يمكنك تخفيف الكثير من الضغط عن العينين.
4-تجنُّب الشاشات قبل ساعتین إلى ثلاث ساعات من موعد النوم المُعتاد.
5-استخدام النظارات الواقية التي تحمي العينين من اللون الأزرق:
نظارات الكمبيوتر يمكن أن تساعد فعلاً في تصفية الضوء الأزرق، حتى نتمكن من الاستمرار في النظر إلى الشاشة مع دخول الحد الأدنى من الوهج للعينين، يجب التنويه أن معظم أنواع تلك النظارات سوف تشوه إدراك اللون قليلاً.
6-زيارة طبيب عينيك بانتظام:
التأكد من أن النظارات الطبيّة أو النظارات الخاصة بك محدّثة وجيدة عند النظر إلى شاشة الكمبيوتر، وإذا كنت ترتدي العدسات اللاصقة، أرح عينيك من خلال ارتداء نظارتك.
7-احرص على استخدام قطرات العين المرطِّبة (الدموع الصناعيّة) عندما تشعر بالجفاف؛ لكونها تساعد على استعادة الرطوبة المفقودة والحماية من جفاف العين.
8-وضعية الجلوس:
يجب تعديل ارتفاع الكرسي حتى تتثبت القدمين على الأرضية، وفي حال كان الكرسي يحمل أذرعاً؛ يجب تعديلها لتوفير الدعم لذراعك في أثناء الكتابة على الحاسوب.
– يجب أن تكون شاشة الكمبيوتر أقل من مستوى العين بـ 15 إلى 20 درجة (حوالي 4 أو 5 بوصات) مقاسة من وسط الشاشة أو بمستوى العينين فيما أنّه من الخطأ جعل الشاشة أعلى من مستوى رأس المستخدم.
– الابتعاد عن شاشة الحاسوب 20-30 بوصة تقريباً ( 40-75 سنتميتراً).
– يجب وضع الأوراق المرجعية فوق لوحة المفاتيح وأسفل الشاشة، إذا كان ذلك ممكناً، أو يمكننا استخدام حامل المستندات بجانب الشاشة، الهدف هو تلافي الحاجة إلى تحريك الرأس مراراً للنظر من المستند إلى الشاشة.
– الأكتاف مرتاحة والفخذان أفقيان.
– العمود الفقري منتصب بشكل مستقيم.
– أن يكون المرفقان بدرجة 90 (قائمة تقريباً.(
– أبعاد الطاولة والكرسي عن سطح الأرضيّة مناسبة.
– القدمان موضعان على سطح مائل ومرتفع قليلاً عن الأرض.
– دعم السواعد والظهر بوسائد لينة أمرٌ أساسي لمنع التعب الجسديّ.
9-فترات الراحة:
لمنع إجهاد العين، حاول أن تريح عينيك عند استخدام الكمبيوتر فترات طويلة.
احرص على أخذ راحة لعينيك بمدة 15 دقيقة بعد كل ساعتين من الاستخدام المستمر للحاسوب، إضافةً إلى اتّباع قاعدة 20- 20 – 20 الذهبية وهي كل 20 دقيقة خذْ استراحة مدة 20 ثانية، وركزْ نظرك في شيء يبعد ما لا يقل عن 20 قدماً (أي قرابة 6 أمتار).
ولا ننسى أنَّ صحة العين الجيّدة تبدأ بنظام غذائي متوازن ومناسب كتناول الأطعمة الصحيّة مثل الورقيات الخضراء كالسبانخ، وتناول الأسماك الغنية بالأوميغا 3 وممارسة الرياضة، والإقلاع الفوري عن التدخين للمساعد في الوقاية من الأمراض التي تتسبب في مشاكل صحيّة للعين كالسكري وارتفاع ضغط الدم وارتفاع مستوى الكوليسترول.
- علاج إجهاد العين الرقميّ ؟
- غالباً إنّ علاج إجهاد العين لا يحتاج أكثر من اتباع قواعد وقائية سليمة وخطوات صحيحة مع تجنب المسببات المذكورة سابقاً.
- وبصفة عامة، يتمثل علاج إجهاد العين إدخال تغييرات على عاداتك اليومية أو على البيئة التي تَعيش فيها. قد يحتاج بعض الأشخاص إلى علاج لحالات العين الأساسية.
- بالنسبة إلى بعض الأشخاص، يساعد ارتداء النظارات الموصوفة لأنشطة معينة، مثل استخدام الكمبيوتر أو القراءة، في تقليل إِجهاد العين. قد يقترح طبيبك المعالج القيام بتمارين منتظمة للعين لتساعد عينيك على التركيز عند المسافات المختلفة.
- ولكن وفي حال كان إجهاد العين حاداً أو استمر مع الشخص لفترات طويلة، يجب مراجعة الطبيب بشكل فوري لاتخاذ الخطوات العلاجية المناسبة وتشخيص أي سبب مرضي محتمل تسبب بإجهاد العين لديك.
توصيات:
- الاستخدام المعتدل للجهاز الرقمي تجنُّباً لظهور أعراض إجهاد العين.
- اتّباع وسائل وإجراءات الوقاية السابق شرحها في هذا البحث.
- استخدام القطرات العينيّة المرطّبة عند الشعور بجفاف العين.
- تجنّب استخدام الهاتف المحمول قبل النوم بساعتين على الأقل.
- القيام بزيارات دوريّة سنويّاً عند طبيب العيون للكشف على صحة أعيينا.
- أخذ فواصل زمنيّة أثناء استخدامنا الشاشة الرقميّة.
- تطبيق قاعدة 20-20-20.
- الالتزام بالجلوس الصحيح على المكتب أثناء استخدام الحاسب.
الأجهزة الرقمية وُجدت لتبقى، ومشكلاتها المؤقتة كإجهاد العين الرقمي التي تؤثر سلباً على مستخدمي التكنولوجيا، وتقلل إنتاجيتهم، لا تقارن بتأثيرها على صحة العينين في المدى البعيد؛ لذلك من المهم لمستخدمي الشاشات أن يكونوا سبّاقين بالمحافظة على رؤيتهم سليمة وأن يراقبوا تأثير التعرّض المستمر للأجهزة الرقميّة على أعينهم.
نور محمد حاتم