الوحدة : 18-5-2020
يعد تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة التي تضم الغبار والأوحال والدخان والغازات السامة والقطيرات السائلة من أخطر المشاكل التي تواجه سلباً على كافة مكونات الأنظمة البيئية الطبيعية للغابات, وأكثر ما يميز تلك الجسميات هو قدرتها على البقاء عالقة في الهواء لفترات طويلة من الزمن, حيث تتموضع بشكل رئيسي قرب الطرقات ومعامل الاسمنت والمقالع وغيرها من المناطق الصناعية.
في هذا المضمار حدثتنا الدكتورة لانا صالح من جامعة تشرين باللاذقية مؤكدة على أن تشكل مقالع الحجارة والكسارات المرافقة لها تعد مصدراً رئيسياً للملوثات كالغبار وغيرها يمكن أن تمثل بمجموعتها تهديداً حقيقياً لنمو الأنواع النباتية وتنوعها من كل الأنماط والصفوف بدءاً من الطحالب إلى أشجار الغابة وكل ما هو بينهما.
وأضافت د. صالح قدمت دراسة حول هذا المجال وقد تضمنت أن عدد المقالع في سورية 1058 مقلعاً ويوجد منها في اللاذقية 24 مقلعاً تابعاً للقطاع العام و20 مقلعاً للقطاع الخاص لمواد البناء والإنشاءات و4 مقالع رخام يوجد قسم كبير من هذه المقالع في المناطق الجبلية الساحلية قريباً من المناطق الحراجية, إضافة إلى مقالع رمال من المصاطب البحرية البعيدة عن خط البحر(المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية) يمكن أن تسبب الاجهادات الناتجة عن ترسي دقائق غبار المقالع وما تحمله من ملوثات أخرى كالمعادن الثقيلة اضطراباً في الغابة يتمثل بانخفاض نمو الأنواع النباتية بشكل عام , والذي ينتج عن انخفاض كفاءة عملية التمثيل الضوئي, إذ تؤدي دقائق الغبار إلى إغلاق الثغور وتمنع بالتالي التبادل الغازي بين الأوراق والوسط المحيط, إضافة إلى تخفيض كمية الإضاءة اللازمة لإتمام العملية.
كما يمكن للغبار المتراكم على سطح التربة أن يغير في درجة حموضتها (PH) الأمر الذي يؤثر في إتاحة العناصر الغذائية في محلول التربة خاصة عندما يكون الغبار قاعدي التفاعل والذي ينعكس على نمو النبات, بالنتيجة يمكن أن تؤدي تلك العوامل إلى خسارة الأنواع الحساسة وانخفاض غطاء الظلة للغابة, في حين تبقى الأعشاب والشجيرات المتحملة للملوثات والتي تعتبر الأساس في عملية الاصطفاء الطبيعي, وهذا يؤدي بدوره إلى تغيير في التركيب النباتي للغابة ويؤثر أخيراً في توازن السلاسل الغذائية.
تساهم التأثيرات السلبية لغبار المقالع إلى جانب الضغوط البشرية الأخرى التي تتعرض لها غابات الصنوبر البروتي في تغيير الشروط البيئية المحيطة, وبالتالي تدهور هذه الغابات وما يرافقها من انهيار خطير في عناصر الإنتاج الخشبي وهما التربة والمناخ.
وبالتالي فإن وضع خطط علمية ومدروسة لإدارة غابات الصنوبر البروتي ومراقبة نموها وصيانة تنوعها النباتي في ظل الظروف المحيطة بكل غابة يعد حاجة ملحة للحفاظ على قدراتها الإنتاجية بشكل مستدام نظراً لأهميتها الاقتصادية والبيئية.
وتعد غابات الصنوبر البروتي هي أحد أهم الأنظمة البيئية المتوسطية نظراً لفوائدها المتعددة ومساحاتها الواسعة, ويظهر ذلك جلياً في سورية حيث يشغل الصنوبر البروتي مساحة مهمة تتركز بشكل رئيسي في منطقتي الباير والبسيط وشمال حلب. ويعد من أكثر الأنواع الحراجية التي استخدمت في التشجير الاصطناعي نظراً لمرونتها البيئية.
وعلى الرغم من الخدمات والفوائد التي تقدمها هذه الغابات, فإنها تتميز بضعفها وهشاشتها أمام التحديات التي تواجهها نتيجة التعديات البشرية.
كقطع الغابات وتجزئة الموائل الطبيعية وانجراف التربة واستنزاف الكتلة الحيوية ومخزون الكربون وخسارة الأنواع وتغييرات في علاقات التنافس بين الأنواع والحرائق, إضافة إلى التلوث الذي وصل إلى مستويات خطيرة نتيجة التطور الصناعي الهائل.
وحول الهدف من الدراسة قالت د. صالح تتعرض الأنظمة البيئية الحراجية في الجبال الساحلية لضغط بشري مفرط ما يجعلها هشة وعرضة للتخريب وتعد مقالع الحجارة والكسارات المرافقة لها من النشاطات البشرية الهامة والتي لم يدرس تأثيرها على النبات الطبيعي المجاور بشكل مفصل حتى الآن, بالرغم من الإشارة إلى العديد من الأبحاث العلمية في مناطق مختلفة من العالم إلى وجود تأثيرات سلبية لغبار المقالع وما تحتويه من معادن ثقيلة في نمو وحياة الأنواع النباتية المجاورة لها مما يستدعي الرصد المبكر لهذا التأثير بهدف التدخل في الوقت المناسب لحماية الثروة الحراجية الهامة والحفاظ على تنوعها الحيوي ومحاولة اعتماد طريقة في التقييم يمكن تطبيقها على مواقع أخرى.
والهدف من الدراسة هو تقييم نمو غابة الصنوبر البروتي وتنوعها الحيوي النباتي في موقع تحريج كفر دبيل والواقعة تحت تأثير غبار المقالع من خلال بعض المؤشرات.
وتقييم مستوى التلوث في منطقة المقالع والغابة ودراسة إمكانية اعتماد أوراق الصنوبر البروتي كمؤشر حيوي للتلوث الجوي ببعض المعادن الثقيلة, وتقدير مدى تأثير نمو الغابة وتنوعها الحيوي النباتي بالملوثات الناتجة عن نشاط المقالع.
مريم صالحة