(المكدوس) في مواجهة عنتريات المتبروظين

الوحدة:3-4-2020

حتى عندما يتعلّق الأمر بصحتنا وصحة أبنائنا، يبقى خرق القوانين والخروج على التعليمات الرسمية هواية يمارسها بعض المتخلفين أو العابثين.

في مقابل كل إجراء اتخذ للحماية والوقاية من وباء كورونا هناك عقوبات، ومن لم تردعه تربيته وثقافته والتزامه يجب أن تطاله هذه العقوبات دون شفقة أو رحمة، لأن العبث هنا يمسّ الجميع، وبالتالي حقّنا يجب أن يصان، ويجب أن يكون هناك تشدد في اتخاذ العقوبات وتنفيذها بحدودها القصوى لا الدنيا، لأن المليارات التي تكلفتها الدولة والمواطنين في اتخاذ الإجراءات الوقائية قد يطيح بها بضعة أشخاص ويعرّضون المجتمع بأكمله إلى خطر قد لا تنفع معه مئات المليارات الجديدة.

المنظومة الصحية في بلدنا ليست قاصرة، لكن هذا الوباء العالمي ما زال عصيّاً على الجميع، وبالتالي فإن الحلّ الوحيد الذي قد يكون شافياً هو الالتزام بالحجر المنزلي، وعدم الخروج من البيت حتى في أوقات السماح بالتجوّل إلا للضرورة القصوى.

حتى ساعة كتابة هذا المقال، كانت هناك حالتا وفاة بسبب فيروس كورونا في سورية، وتعقيباً عليهما كانت ردات الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي غاضبة من وزارة الصحة التي لم تخرج إلى (مؤتمر صحفي) تقول فيه كل شيء عن هاتين الحالتين!

هل هذا هو المهم، وهل هذا سبب كافٍ لاتهام الإعلام والصحة والداخلية بالتخلّف؟

وماذا عن أخذكم العبرة من هاتين الحالتين، وهل التزمتم بالإجراءات الوقائية؟

هناك أخطاء لا نستطيع أن ننكرها أو نتجاهلها، لكن لنتفق أن الوباء الكوروني لم يأتِ بموعد مسبق لنجهّز أنفسنا لاستقباله، وهو ليست بضاعة عابرة للحدود لنلوم الجمارك أو الجهات الأخرى كيف سمحت له بالدخول، وهو ليس إرهاباً استطعنا إسقاطه ودحره بالدم والبندقية، هو أخطر من هذا كله، ولهذا آلمنا الاستخفاف لدى البعض به!

بعد أن قلتُ له نعيماً، وأنا أنظر إلى شعري المتصوّف وكأني خارج من مغارة مكثتُ فيها زمناً طويلاً، سألته: أين حلقتَ شعرك، فأجابني: أغلقنا محل الحلاقة على أنفسنا أنا والحلاق وتمّت المهمة بنجاح!

أكثر من محل سمانة، يفتح أبوابه في وقت متأخر بالاتفاق مع زبائنه ليشتروا ما يحتاجون!

قد تكون المسألة عادية وغير مؤذية، ولا تسبب ذلك الأذى، ولكننا هنا نشير إلى ثقافة الالتزام بالتعليمات والإجراءات الرسمية، وبراعتنا كمواطنين بالقفز فوقها، وعندما يحصل أي شيء موجع لا قدّر الله سنلوم الدولة ونتجاهل دورنا السلبي!

قد تكون صور الازدحام على قبض الراتب مبررة من قبل المواطن الذي ينتظر راتبه بفارغ الصبر، لكن ورغم تلك الحاجة الماسة هل نلقى بأنفسنا إلى التهلكة؟ ما نفع الراتب إن عاد أحدنا مصاباً بالفيروس لا سمح الله، لماذا لم يعد القسم الأكبر منا إلى البيت عندما رأى هذه الزحمة؟

وقد تكون صور توزيع الإعانات والمساعدات أكثر إيلاماً، الخير فينا أصيل، ومن أساسيات تكويننا، أما (الكرم الاستعراضي)، ورقة القلب الفيسبوكية، وتحديّات النجوم المتلفزة، فمعظمها أخطر من فيروس كورونا، ولا تليق بنا كمجتمع قهر كلّ أسباب الموت ورفض أن يعيش إلا بكرامته، فهل تفرحون وأنتم تطلبون من أناس بسطاء أن يضحكوا للكاميرا؟

أما المطبّلون (وبعضهم من عليّة القوم كما يقال)، هل تدرون أي دور تقومون به؟

لا بارك الله بشخص لا يقدّم مساعدة لغيره ما لم يلتقط الصور ويطلب من غيره أن ينشرها وحقّ الناشر محفوظ!

إذا ما أردنا حصر المسؤوليات، فلا شكّ أن جانباً كبيراً من التخبّط أوجدته التعليمات والإجراءات الأخيرة، وهذا أمر طبيعي في زحمة تتالي هذه الإجراءات، وقد تمّت معالجة قسم من هذا التخبّط ومازال هناك الكثير..

كمواطنين، وبدل أن نلعن الظلام، لنوقد شمعة، أو على الأقل لنسمح للجهات الرسمية بإعادة إيقاد هذه الشمعة، ولنكن جزءاً من الحلّ لا سبباً جديداً في تضييق الخناق، ولنصبر، فإن الصبر مفتاح الفرج، ولنخسر أعمالنا لمدة شهر بدل أن نخسر صحتنا وصحة أولادنا..

الإنسان السوري لا يضام، ولا يخلو بيت من (قطرميز مكدوس) أو (قطرميز زيتون)، والخبز متوفر بشكل كبير رغم كل الشكوى من سوء توزيعه، والكرامة أشهى من أي وجبة مغمّسة بـ (المنّة والذلّ).

بوادر الانفراج عالمياً بدأت تلوح، والوضع لدينا أهون بكثير من وضع غيرنا، وإيماننا بالله كبير، والالتزام بالإجراءات المتخذة يخفّف عنا الكثير..

خلّيكم بالبيت.. ابتعدوا عن أماكن الزحمة… حمانا الله وإياكم من كلّ مكروه.

غانم محمد

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار