المثل… زبدة الكلام

العدد: 9557

الأربعاء: 25 آذار 2020

 

 

الأمثال تراث عالمي, نرددها ولا نعرف من أين أتت، ولا كيف وصلت, تمثل صفوة القول، وزبدة الكلام، وتعكس مشاعر الشعوب على اختلاف طبقاتها وانتماءاتها، وتجسد أفكارها وتصوراتها وعاداتها وتقاليدها، ومعتقداتها في كل ضرب من ضروب الحياة, مواعظ وحكم حكماء وعقلاء الأرض وفلاسفتها، لتكريس القيم الأخلاقية والإنسانية عن الخير والشر والقوة والشجاعة وطلب العلم ونبذ الجهل والطب والعلاج والحض على الأخلاق الحميدة, ووفق تفسير علماء الاجتماع: هو تفسير أو إخفاء لموقف معين لتصبح المقولة متوارثة من جيل إلى جيل, يقول سقراط: (الحكمة أسمى الفضائل وأجلّها, منها نصدر وإليها نعود).
الأمثال من أكثر الأشكال التعبيرية شيوعاً, وهي تتشابه نتيجة التشابه الذي مرّ به تطور الحضارات والتمازج أخذاً وعطاءً، وصارت مثل القوانين الخفية التي تقف وراء الكثير من المواقف الإيجابية، التي عملت على تكريس القيم الأخلاقية في المجتمع, ولا تخلو ثقافة من الثقافات منها, والمثل ابن الحياة بما فيها من لوعة الواقع الاجتماعي بتداعياته وتناقضاته يصور الخبرة والرؤى وطقوس الحب والخصب والصراعات والحياة بكل عناصرها, صاغته تجارب الأيام وحكمة السنين ونقلته من لسان إلى لسان ومن زمان إلى زمان, حافظت على وجودها وتؤكد ما هو مشترك بين الشعوب، وتسلط الضوء على وحده تنوعها وتعددها, وصارت جزءاً من الذاكرة الشعبية التي صاغتها عادات وتقاليد المجتمع ورغم كل التطور والتبدل وتنوع أشكال الحياة حافظ مجتمعنا على الأمثال الدارجة ومازالت حية ترزق من الجاهلية وحتى الآن.
المثل قول مأثور يمثل اللغة الصافية من لآلئ ودرر الكلام, ومضات شديدة الإيحاء مكونة من كلمات قليلة العدد شديدة الدلالة تجري على اللسان بعفوية وطلاقة, أسلس من الماء وأحلى من الشهد, كلمات تجري من الشفاه كقبل ناعسة بأسلوب فكاهي أو بالتضاد والسجع, وهي مصدر للحكمة والمحاكمة العقلانية للمواقف التي تنشأ في الحياة جاءت إلينا من القديم وذهبت إلى العالم الجديد, تعتمد على التكثيف البنيوي بانتقاء المعاني والاقتصاد في الشرح وعدم الإسراف في التفاصيل بأسلوب إيحائي وتجنب الرمز والضبابية وظلت لقرون طويلة وراء الكثير من المواقف والاحكام الإيجابية والسلبية.
اعتنى العرب بالأمثال منذ القديم, ولكل ضرب من ضروب الحياة مثل يشبه به يجري استحضاره والعودة إليه بقصد وبدون قصد, وتعدّ الأمثال كنزاً من كنوز اللغة العربية وتؤثر في سلوك شعوبها, وفي مخزون الذاكرة الجمعية العربية الكثير منها تتحدث عن علاقاتهم ببعضهم وطرق تعاملاتهم وتحذير الإنسان الذي يعدّ أهم لبنة في بناء المجتمع من أي خلل في سلوكه كي لا يسقط في حياة عقيمة ومطبات صادمة, وقد حفلت الأمثال العربية بالمواقف الكثيرة الإيجابية والسلبية.
هناك أقوال مأثورة وحكم وأمثال رددناها طويلاً ونتمنى العمل بها في كل ما يتعلق بالدور والحقوق والوطن مثل ( فاقد الشيء لا يعطيه) ,(الحق يؤخذ ولا يعطى) حيث أن الحق الساطع كنور الشمس يجب أخذه عنوة بعيداً عن استجداء الآخرين والركوع على أبوابهم.

نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار