جمـــال المـــرأة يبقــى أمـــراً نســــبياً

العدد: 9555
الأثنين : 23 آذار 2020

 

تتنافس المجلات النسائية في عالم اليوم في إظهار جمال المرأة وأناقتها ورشاقتها إلا أن هناك رأياً عاماً في هذا السياق يقول: إن هذا التزاحم في إظهار جمال المرأة قد أدى بكثير من النساء إلى أن يكرهن أجسادهن، والسؤال هنا: إلى أي مدى يجوز اتهام الإعلام النسائي اليوم بالحط من صورة المرأة في نظر نفسها؟
على مرّ الزمان فرضت وسائل الإعلام المرئية حول العالم مقاييس عصرية للمجال الأنثوي وكانت المرأة الأوروبية والأمريكية هي النموذج والمعيار لذلك المجال الطول الممشوق والنحافة الأقرب إلى المرض والشعر الأشقر والعيون الزرقاء كلها ملامح للمرأة الجميلة وعلى المرأة التي لا تمتلك تلك المواصفات أن تظل تفكر في الحظ التعس الذي نالته من هذه الدنيا، وقد نجحت تلك الصورة الطاغية للمرأة الغربية الجميلة في دفع العديد من نساء العالم إلى تقليد تلك الصورة النمطية ولعل ذلك تم بتواطؤ مباشر أو غير مباشر من دور الأزياء العالمية ومتاجر صناعة المستحضرات التجميلية ويضاف إلى هؤلاء بطبيعة الحال جراحو التجميل الذين أصبحوا الشريحة الأكثر ثراء من بين التخصصات الطبية.
ولكي تبقى المرأة قريبة من مواصفات الجمال الأوروبية المطروحة على الشاشة وعلى الغلاف، فإنها حرمت نفسها من الطعام وأجبرت نفسها على خوض حمية غذائية قاسية وكثيراً ما حرمت نفسها من متعة الأمومة خوفاً من الترهلات واقتطعت من ميزانيتها المحدودة قسطاً وافراً لتغطية تكاليف مستحضرات التجميل التي زعم صانعوها أنها تكافح التجاعيد وتجعل البشرة أكثر بياضاً وخصصت مبالغ شراء صبغات الشعر التي تجعل منه أميل إلى اللون الأشقر أو الكستنائي ولم توفر صاحبات الشعر الأجعد أي جهد ممكن لتمليس شعرهن من خلال المستحضرات المطروحة في السوق زد على ذلك كله انتشار سوق العدسات اللاصقة التي تحول العيون السود إلى اللونين الأزرق والأخضر والخلاصة أن بعض النساء اشترين لأنفسهن شخصية أخرى ارتدينها بكل فخر واعتزاز لدى الخروج من المنزل وهن على ثقة بأنهن ملتزمات بمقاييس الأناقة والجمال والرشاقة غير أن النساء اللاتي اقتنعن بما آل إليه مظهرهن ظللن يشكلن الأقلية الضئيلة ذلك أن فلسفة الأمر برمته على ما يبدو تدور حول عدم الاقتناع التام وبالتالي الركض اللاهث وراء سراب أما أنه لن يتحقق وأما إنه سيظل قابلاً للتغيير الدائم وعلى المرأة أن تتابع وتتابع اللحاق بالموضة . ولا تتوانى شركات التجميل والمستحضرات في استخدام أساليب تعتمد على الكذب والمبالغة والوحشية أحياناً في صيد المزيد من الزبائن من معشر النساء ،فعلى سبيل المثال انتشرت مفردات وعبارات من قبيل ( يقول خبراء التجميل)، (ترى الخبيرة الفلانية)، (تفيد التجارب العلمية) إلخ، ومؤدى ذلك إنه جرى إلباس الدعاية ثوب العلم من أجل ترويج المستحضرات التي لا تهدف إلا إلى إفراغ الجيوب من المال.
السر الكامن في هذه العملية يتعلّق باللعب على الغرائز فمن المعروف أن الإنسان بفطرته تواق للجمال وهو مستعد لدفع ما يمكنه من ثمن للحصول على ذلك الجمال، ولكن إذا كان الحصول على الجمال النهائي أمر متعذر فمن الطبيعي أن تؤول العملية برمتها إلى انتشار الآفات النفسية بين النساء اللاتي يشكلن الأغلبية أي اللاتي لا يرضين عن مستوى جمالهن ورشاقتهن وعافيتهن لأنها ببساطة دون المعيار المطروح بكثير، ما من أحد في هذا العالم يكره الجمال لكن المرأة الذكية يجب أن تتسلح بالوعي الكافي لكي تقف في وجه ما يمكن اعتباره مؤامرة على إنسانيتها فالجمال الشكلاني مطلوب، لكن الجمال الحقيقي هو الذي ينبع من الداخل وينعكس على الإنسان بمظهرة وعقله وشخصيته وعشرته وتعامله الحلو مع الناس من حوله ولسانه الذي يقطر بالكلمات الطيبة ومن الضروري أيضاً معرفة أن الجمال مهما سعينا للوصول إليه ومهما حاول الآخرون وضع معايير جامدة له سيظل أمراً نسبياً فما تراه أنت جميلاً قد لا أراه أنا كذلك، ومن المستحيل أن ينال شخص ما إعجاب الناس أجمعين، المرأة الذكية الواعية تدرك أن وسائل الإعلام بالوضع التي هي عليه في أغلب الأحيان إنما تتاجر بجسد المرأة وتلعب بعقلها وتستغل فطرتها من أجمل جمع المال، وإن الشركات التي تقف وراء وسائل الإعلام إنما تهدف إلى جمع المال ولا يهمها بالتالي إن كانت هذه المستحضرات مفيدة حقاً أم لا.

لمي معروف 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار