الشــــعور بالحــــزن العــــــدو الأول للحياة

العـــــدد 9551

الإثنــــــين 16 آذار 2020

 

الخوف من المستقبل وفقدان الوظيفة العملية والمكانة الاجتماعية والمشكلات العائلية من بين العوامل والظروف الحياتية التي تؤدي إلى تطور حالات الاكتئاب ووصولها إلى مستويات خطيرة كما هي الحال في العديد من دول العالم المتقدمة حيث تنتشر هناك عادة تعاطي الحبوب المهدئة. إن ظاهرة الاكتئاب كانت ولاتزال موجودة منذ أن شعر الإنسان بحقيقة شقائه في هذه الحياة. ويعد الشعور بالحزن العدو الأول للعيش والتلذذ بطيبات الحياة وتترافق معه مشاعر الإرهاق والتعاسة وما يمكن أن تؤول إليه حالة الشخص الذي يقع في براثنها من رغبة في وضع حد لحياته بالانتحار.

والانتحار ذاته وجد منذ وجد الإنسان لا بل الكثير من الناس تعتمده حلاً لبؤسها غير أن ما يفصل ما في الإنسان عن حاضره حول هذه النقطة إنما يتركز في زيادات مضطردة في أعداد البشر الذين يعانون يومياً من الاكتئاب بمختلف درجاته .وهناك نسبة لا بأس بها يخضعون لنوع من العلاج من مشكلة الضيق النفسي والاكتئاب بصوره الصريحة والمقنعة وينطبق الأمر ذاته على شعوب أخرى عديدة سواء تلك التي بلغت شأناً في الحضارة أم التي لا تزال في مصاف الدول النامية.
وكشفت منظمات صحية عالمية عن أرقام مخيفة حول كميات الأدوية المهدئة التي تم تعاطيها خلال السنين المنصرمة في مؤشر خطير على تراجع الصحة النفسية للبشر.
وتقع المرأة في صدارة الشرائح الاجتماعية التي تعاني من هذا الأمر إذ يبدو أن شدة حساسية المرأة ورهافة العواطف لديها إضافة إلى أوضاعها الصحيّة والاجتماعيّة والوظيفية هي التي تفسر هذه الزيادة ،وتأتي فئة المراهقين في الترتيب التالي بعد النساء في تواتر حالات الاكتئاب وضيق العيش.
وهي أعراض تتقنع لدى الكثيرين منهم في أمراض نفسية المنشأ مثل النهم والشراهة للطعام أو أمراض جلدية مختلفة وعدم توافق مع المحيط الاجتماعي أو مشكلات على مستوى الدراسة أو الاصطدام بين أفراد الأسرة .أما فئة الرجال فإن صور ونتائج الإحساس بحالات الانقباض يمكن أن تأخذ مناحي أخرى مختلفة كأنهم يعانون من رغبات إسقاط مشاعرهم الداخلية على أمور بعيدة عنها أو الانغماس في الإدمان على الكحول أو التبغ أو المخدرات أو زيادة مفرطة بالنشاط الرياضي أو الوظيفي أو البحث عن شريك آخر، ويمكن تقسيم حالات الاكتئاب إلى ثلاث فئات:
* الاكتئاب الذي يرتبط بعوامل بيولوجية ونفسية تؤدي إلى زيادة مشاعر التعاسة والألم النفسي الحاد وتأثير واضح للقدرة على تحريك الجسم بشكل نشط أو متزن أي الشعور بالهذيان أو حتى الانتحار. وقد يشعر إنه ضحية لمؤامرة كبرى تحال ضده أو أنه ضحية لقسوة البشر.
* الاكتئاب الانفعالي وهو شعور بردة فعل نفسية شديدة الوطأة تحصل عادة عند الأشخاص الذين لم تكتمل إمارات رشدهم العقلي ونضجهم النفسي. فتجد بعضهم كبّل نفسه بمشاعر الخسارة وصعوبات الحياة من دون أدنى إقبال عليها وقد تكون بعض تقلبات الحياة لديهم عوامل مثيرة لهذه المشاعر مثل الانتقال من سكن إلى آخر أو الفشل في تحقيق مشروع ما أو أزمة عائلية أو العبور إلى فئة عمرية متقدمة أو الحزن على وفاة شخص مقرب إن لهذه الأحداث دوراً في إثارة الاكتئاب العابر لدى الجميع ولكنها تصبح عند بعض الأشخاص نقطة فاصلة ومدعاة لضعف وتدهور نفسي واضح المعالم.
* الاكتئاب الوجودي الذي لا يتصف بأعراض مرض نفسي حقيقي بارزة بل هو تعبير عن صعوبات في العيش كإنسان حيث لا يعود المصاب يرى بوضوح مكانه في الحياة يلتحف بضبابية ويتصف بالغموض يعاني هؤلاء الأشخاص مشاعر طاغية بالضعف تجاه أي حركة في حياته ،فيجد مخططاته غير مكتملة ويقفز من مهنة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر يشعر بصعوبة قصوى في قبول مشروع صيانة بسهولة أو النظر إليها بإيجابية يشعر بحزن وعدم يقين إزاء كل شيء. وهو نوع من الاكتئاب السائد في عالمنا ويعود السبب في ذلك إلى تدهور خطير أصاب سلّم القيم الاجتماعية بسبب التغيرات الخطيرة التي طرأت على أساليب العيش وإلى فقدان أسس توازنها التقليدية ومع أن وجود أشخاص يعانون من الاكتئاب هو أمر ألفته البشرية منذ أقدم عصورها إلا أن الأنماط الحياتية الحديثة يمكن أن تكون سبباً في انتشار الأمراض النفسية لأن تغيراً سريعاً في الأسس يمكن أن يقضي وبسهولة إلى إضعاف مقاومة الفرد للضغوطات الاجتماعية وبالتالي إلى انتشار الأمراض النفسية ويبدو أن لطبيعة ثقافة وسياسة مجتمع بعينه دوراً أساسياً فيخلق الشخص الاكتئابي أو أن تدفعه إلى مرحلة القطيعة مع حاضنه الاجتماعي.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار