العدد : 9544
الخميس 5 آذار 2020
اليوم نحن أمام مدرسة هامة وتاريخية، وتعتبر من المواقع السياحية والثقافية والعلمية، إنها مدرسة الأرض المقدسة التي عُرفت بأنها أقدم مدارس محافظة اللاذقية، وسميت بعدة أسماء خلال المراحل التدريسية الماضية، فبداية سميت بمدرسة الأب سالم، ولاحقاً بثانوية زكي الأرسوزي، والآن الأرض المقدسة، وقد شهدت ازدهاراً علمياً وثقافياً نادراً منذ سنوات ماضية، وتخرجت منها أجيال كثيرة من أبناء المحافظة الذين نالوا أعلى الشهادات، فماذا عن الواقع المعماري والخدمي لهذه المدرسة التي لم نلحظ أي ترميم أو تحديث لها ونراها تندثر يوماً بعد يوم؟!
فقدت الكثير من معالمها
* التقينا عدداً من خريجي هذه المدرسة القدامى لمعرفة رأيهم بهذه المدرسة القديمة المعاصرة بداية حدثتنا الدكتورة سلوى مرداش: لازالت مدرسة الأرض المقدسة تمثل الصورة التاريخية عن مدينة عريقة، فهي مدرسة خاصة، وكان تديرها راهبات الكرمل، حيث قضينا فيها أجمل أيام الحياة الدراسية، فقد كانت ممتعة بطلابها وكادرها التدريسي والتعليمي والإداري، فكانت منظمة تنظيماً دقيقاً، تلقينا فيها أفضل التعليم وتخرجنا منها بمراتب ودرجات مرتفعة، ونلنا شرف الدخول إلى الجامعات ومن ثم إلى الحياة العملية، واليوم عندما أنظر إلى هذه المدرسة وأراها مهجورة حيث لم تنل نصيبها من الاهتمام الكافي من قبل الجهات المعنية سواء أكانت تربوية أو ثقافية أو آثارية فهي بوضعها الحالي مهملة جداً وخارجة عن النطاق الذي عهدناه دائماً، والذي يؤهلها لأن تكون أحد المعالم التي نفتخر بها ونحترمها، والكثير يتمنى أن يرى هذه المدرسة بحلة جديدة لذلك لا بد من تأهيلها تأهيلاً أثرياً وإعطائها طابعاً تاريخياً جميلاً فهي مقصد سياحي وثقافي لكثير من الناس.
* شادي خضرو، مهندس: اليوم عندما ننظر إلى هذه المدرسة نراها قد فقدت الكثير من معالمها التاريخية فهي مهملة جداً وبعيدة كل البعد عن الترميم والاهتمام بها، فلا بد من أن تكون مقصداً علمياً وسياحياً وثقافياً هاماً لكونها مدرسة تاريخية خرّجت الكثير من الطلاب فهي واحدة من مواقع التراث في المدينة، أحببت هذه المدرسة وأتمنى من الجهات المعنية إعطائها خدمات جيدة لتحافظ على موقعها التاريخي.
* أيمن معروف، محامٍ: يمكن القول بأن مدرسة الأرض المقدسة اليوم بالمقارنة مع ماضيها التليد ليست في أفضل أيامها ووضعها الحالي يحزنني بالتأكيد كما يحزن الكثير من أهالي اللاذقية واليوم لديها مشاكل كثيرة في البناء والتعليم وبالمقابل ليس لديها ما يكفي من تلاميذ سواء كانت في المدرسة أو الروضة، فأمجادها القديمة قد ولت، فقد كانت تكتظ بالتلاميذ والطلبة، وتشهد ازدحاماً كبيراً أمام أبوابها، وبالكاد تجد طريقاً للخروج منها أثناء الانصراف، فمدرسة الأرض المقدسة مدرسة ليست ككل المدارس، فهي صامدة ومقاومة في وجه الأحوال الجوية منذ مئات السنين، فليس سهلاً أن تبقى هكذا دون ترميم أو تحسين معالمها الداخلية والخارجية، لذلك نتمنى أن تكون كما كانت في الماضي تشهد ازدحاماً مستمراً على مدى العصور،
وهي تذكرني بالماضي العريق، فلا بد من الحرص عليها لأنها تقع ضمن أو في أحضان المدينة، ولا بد من أن تكون متحفاً ثقافياً أو تعليماً عوضاً عن بقائها هكذا، فهي تاريخ عريق بماضيه وحاضره، ولا بد من الاهتمام بها وتحسينها تحسيناً يليق بسمعتها.
تحتاج إلى إعادة بناء
وللوقوف على تفاصيل ما تم الحديث عنه رغبنا أن نتقصى الحقيقة أكثر من قبل الجهات المعنية، وطبقاً لما ورد من كلام مأثور حول مدرسة الأرض المقدسة حدثنا عمران أبو خليل مدير تربية اللاذقية: مدرسة الأرض المقدسة هي أحد المدارس المستولى عليها وهي مدرسة وقف (لرهبنة الفرنسيسكان) ووفقاً لذلك فإن المدرسة مشغولة حالياً لمبنى الثانوية، حيث يوجد طابق واحد فقط مع صفوفه للتعليم الثانوي وهو في الطابق الأرضي وجزء من الطابق الأول والقسم الآخر من نفس الطابق مشغول من قبل كنيسة اللاتين لأداء الواجبات الدينية، وكل ما ذكرناه آنفاً هو داخل مبنى المدرسة، كما أن هناك عدداً من المحلات التجارية المستثمرة يعود ريعها إلى الكنيسة، كما يوجد قسم آخر في الساحة مشغول من قبل المدرسة الابتدائية.
وفي إطار عملية التنمية والترميم حدثنا أبو خليل: قانونياً يجب أن يكون إصلاح المدارس المستولى عليها من الموازنة الخاصة بالمدرسة (إيرادات المدرسة)، وأمام هذا الواقع تم تنفيذ أعمال صيانة للطابق الأرضي وجزء من الطابق الأول عام 2014، وتم من خلالها تغطية العيوب الإنشائية الواردة في تقرير نقابة المهندسين لعام 2005.
وفي سياق ذلك أكد عمران أن بعض الصيانات لا يمكن القيام بها حيث لا تفيد إنشائياً وإنما قد يحتاج إلى إعادة بناء وليس إعادة تأهيل.
الواقع العام للمدرسة
ولمعرفة الواقع الميداني زرنا المدرسة والتقينا مدير مدرسة الأرض المقدسة عزام بديع عدرة الذي حدثنا: تعتبر مدرسة الأرض المقدسة من المدارس الهامة في المحافظة نظراً لما قدمته من عهود في التعليم وتخريج الكثير من العقول التعليمية، ولفت إلى أن المدرسة بنيت حوالي عام 1890 وحينها كانت تُسمى بمدرسة (الفرير) معناها الإخوة المسيحيون المتخصصون في المدارس وهي مرتبة من الكهنوت، وبعد ذلك سميت بالأرض المقدسة نسبة إلى حراس الأراضي المقدسة وبقي هذا الاسم حتى عام 1967 وبعدها تم ضمّها إلى وزارة التربية وسميت باسم المناضل والمفكر العربي زكي الأرسوزي وبقي هذا الاسم حتى عام 1980 وبعد ذلك أُعيد تسميتها باسم الأرض المقدسة حتى يومنا هذا.
وحول هيكلية المدرسة أوضح عدرة بأن البناء يتألف من ثلاثة طوابق وكل طابق يحتوي على عدد من الصفوف وهناك طابقان مشغولان والطابق الثالث بحالة سيئة فهو غير مؤهل، فالمدرسة عبارة عن جزأين جزء منها يضم مرحلة التعليم الأساسي (الحلقة الأولى) والجزء الثاني يضم مرحلة التعليم الإعدادي والثانوي (الحلقة الثانية والثالثة) ومساحة المدرسة تبلغ حوالي 5000 م2 وكل طابق ارتفاعه 5 أمتار، كما يبلغ عدد الطلاب حوالي 619 طالباً تابعاً لمديرية التربية.
وحول واقع المدرسة وما تطلبه من خدمات وصيانة أكد بأنه تم رفع عدد من الطلبات إلى مديرية تربية اللاذقية حيث أتت لجنة من الوزارة عام 2017 وتمت دراسة واقع البناء ككل من ناحية إعادة تأهيله وصيانته، كما في أول هذا الشهر أتت أيضاً لجنة من الوزارة لمشاهدة الواقع العام للمدرسة، وحتى تاريخه لم تتم أي مباشرة ميدانية.
نتمنى أن تكون كافة الجهود مبذولة لإحياء هذه المدرسة من خلال إعادة تأهيلها تأهيلاً يليق بالمراحل التعليمية فهي تعتبر كنزاً من كنوز سورية، فالمدرسة تتبع لمديرية التربية ومنهاجها المقرر لها هو منهاج وزارة التربية، ومعظم المدرسين من داخل ملاك مديرية التربية.
وأخيراً: هل نلحظ في القريب العاجل خطوطاً صحيحة لتحسين المستوى الخدمي والتعليمي وترميم المدرسة ترميماً تاريخياً وأثرياً حتى تكتمل صورة تلك المدرسة التي خرّجت الكثير من الطلاب عبر مراحل زمنية متعددة.
بثينة منى