… وخارطـــة بحاجـــة إلى تصويـــب في مـــدارس ريـــف جبلـــة

العدد :9537

الثلاثاء: 25-2-2020

 

قد تبدو مستحيلة الحل لأنها ليست تقنية فنية صرفة، وإنما في أحيان كثيرة إنسانية اجتماعية، إنها مشكلة توفير المدرسين والمدرسين المساعدين والمعلمين بالشكل الأمثل في المدارس الثانوية والإعدادية والابتدائية في ريف جبلة وإذا ما حاولنا طرحها فكثيرة التشعب والتفاصيل والاستثناءات، خاصة وأننا نعاني من التضخم بأعداد المدرسين والمعلمين كمحافظة، لينطبق قول الفيلسوف جورج برنارد شو (وفرة إنتاج وسوء توزيع).
وأهم هذه التفاصيل احتواء بعض المدارس عدداً يفوق حاجتها في المدينة، في حين تفتقر مدارس أخرى لهذا العدد، ففي مدارس المدينة وخاصة التعليم الأساسي والإعدادي نجد أعداداً ضخمة من معلمي الاحتياط والإداريين يفوق عدد المدرسين حسب المدرّسة (ر. ع) في مدرسة بلال مكية، الإداريات من الجيل الشاب واللواتي على رأس عملهن بالمقابل في الصفوف كلهن تتجاوز خدماتهن الخمسة عشر عاماً، وهذا يمكن أن نراه في أغلب المدارس لأن الخريجات المعينات حديثاً و(تحت كلمة حديثاً عشرون خطاً) أغلبهن لا يلتزم بالتدريس بل يسعين بشتى الوسائل إلى العمل الإداري، (وللأسف يحصلن على ما يسعين) وهنا نتساءل هل يعقل أن تحول معلمة معينة حديثاً لم تتجاوز خدمتها خمس سنوات وأحياناً أقل إلى عمل إداري وما المعيار بذلك؟ لتبقى معلمة قد تكون بعمر أمها على رأس عملها بنصاب ساعات كامل.
في مدرسة دوير بعبدة الابتدائية وكما أفاد المدير بسام علي فإن أغلبية المعلمات اللواتي على رأس الصفوف لم يبق على إحالتهن للتقاعد أكثر من سنة وأكثرها سنتان لذلك هم بحاجة إلى معلمين خريجي معلم صف جدد بدماء شابة.
وعودة إلى الريف الذي وإن تكن الأعداد فيه حسب الحاجة إذا لم يكن هناك نقص، هناك خلل في تحميل نصاب المدرسين بزيادته لآخرين وتخفيفه عن آخرين، ومؤخراً في مدرسة فويرسات تم تعيين معلمة لغة إنكليزية بنصف نصاب وتكملته بمدرسة حرف الساري وهذا جيد ولحسن حظ المعلمة أنها من نفس القرية، المهم هنا خدمة العملية التربوية، وتحميل مدرسي اللغة العربية والاجتماعيات مواد التربية الإسلامية والقومية.
كذلك هناك مشكلة تتجسد ببعد مكان التعيين عن سكن المعلمات وتعذر وصولهن لسوء خدمة المواصلات وانعدامها أحياناً، وتوضع المدارس جغرافياً – كمدرسة جيبول في أسفل القرية ويحتاج العاملون بها لاستئجار سيارة للوصول إليها وحسب مديرها الأستاذ تحسين فالمدرسة ليست بحاجة لأي مدرس سوى في مادة الموسيقا، وما تلاقيه معلمات في مدارس معرين والتلازيق وخرايب سالم وسلمية وبسطوير وحرف الساري وعين غنام وقرى عديدة ليس لها وسيلة نقل كافية بل معدومة أحياناً. كذلك القرى والمزارع التابعة لحرف المسيترة أكبر مثال على ما نقول، المعلمة بشرى علي أكدت أنها تسكن ببنجارو وتضطر للذهاب إلى جبلة من ثم الذهاب إلى قرية الخربة بحرف المسيترة والعودة بالطبع لن تكون قبل الثانية والنصف بعد الظهر مهما تيسرت أمور وسيلة النقل لها، علماً أن مدرسة قريتها بنجارو كانت بحاجة لمعلمة إنكليزي وتم تعيين معلمة من خارج المدرسة من تعيين الدفعة الأخيرة وكانت لها الأولوية كونها أقدم منها وهذه عينة، في القرى السابقة يضطر المعينون بها إلى استئجار سيارات ودفع مبالغ إضافية لقاء إيصالهم إلى المدارس وهذه بحد ذاتها مشكلة.
ولعل أكبر مشكلة تواجه العملية التربوية ونقص المدرسين والمعلمين هو تحويل ونقل مدرسي المواد الأساسية الذين تحتاجهم المدارس وتكون بأمس الحاجة لهم إلى إداريين وهذه لوحدها مشكلة تبيح لنا التساؤل كيف يتسنى لمدرس أو مدرسة التحول إلى عمل إداري في الوقت الذي توجد فيه مدارس بأمس الحاجة إليه؟ ليطرح تساؤل آخر: كيف يتحول مدرس رياضيات أو عربي أو علوم إلى عمل إداري؟ أليس بمعرفة وبعد سماح وتوقيع النافذين بالتربية؟ كيف للقائمين في التربية الموافقة على تحويل أصحاب الاختصاصات التي تحتاجها المدارس إلى أعمال إدارية؟
قد تكون هناك شواذ أو ضرورات تبيح المحظورات كما يقول المثل كحالة مرضية أو ظرف قاهر.
وحدها مدارس دوير بعبدة والدالية وبسنديانة ووادي القلع وبيت عانا وبعبدة غير مبرر نقص المدرسين فيها لوفرة وسائل النقل وتوضع المدارس بقرب الطرق العامة، وزيادة على ذلك هذه تجمعات سكانية كبيرة كادر مدارسها التدريسي قد يكون من أبنائها بنسبة تفوق الثمانين بالمئة..
إذاً، التربية لها وعليها كل المسؤولية عندما توافق على نقل مدرس أو مدرسة إلى العمل الإداري في ظل الحاجة الماسة إلى اختصاصه إضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار كل ما ذكر آنفاً.
وبالتواصل مع مديري عدة مدارس في الريف كانت الدالية أولها حيث أكد مدير الثانوية زهير عبود أن المدرسة الثانوية والإعدادية كانتا تعانيان من نقص في مدرسي مادة الرياضيات والديانة لصفي الأول والثاني الثانوي (واحد وثلاثون حصة) وتمت تغطية النقص بمكلفين كذلك الأمر في ثانوية وإعدادية دوير بعبدة ذكر المدير أنور محمد كانت تعاني من نقص بمادة الرياضيات اثنان وخمسون حصة تمت تغطيتها بمكلفين أيضاً، القطيلبية كان هناك نقص ثلاث وخمسون حصة بمادة الرياضيات تم تعويضها بثلاثة مكلفين حسب قول المدير طلال مرهج ليكون نصاب كل مدرس 18حصة بالمقابل يوجد فائض لدى ثانوية القطيلبية بمادة اللغة الفرنسية وبالتالي تمكنا من تحويل مدرسة فرنسي لإدارية لأسباب مرضية صعبة، وبنفس الوقت تساءل مرهج عن ما يشاع حول تدني حصص النصاب في مدينة جبلة وإذا ما كان الأمر كذلك لماذا لا يتم رفد مدارس الريف بمدرسي الرياضيات؟
أيضا في إعدادية الشهيد عمار عجيب بحميميم وحسب المديرة ريما أسعد فهناك اثنا عشر حصة رياضيات تمت تغطيتها بمكلف، إذاً والحال كذلك وفي ظل نقص مدرسي الرياضيات الأصلاء و طالما هناك نقص فلماذا لا تجرى مسابقات لخريجي الرياضيات وهم كثر وينتظرون فرصة العمل بفارغ الصبر؟
وعودة إلى إعدادية حميميم فقد ذكرت إحدى معلمات مادة الاجتماعيات (تاريخ وجغرافيا) وبحسرة عن النتائج السلبية لقرار تحميل مواد (الوطنية، القومية، والتربية الإسلامية) لمدرسي اللغة العربية والاجتماعية واستفاضت بالشرح متحسرة ومتأسفة ومتسائلة: كيف يمكن لمدرس تاريخ وجغرافيا أن يعطي مادة التربية الإسلامية؟ مدرس اللغة العربية يقدر و(مبلوعة) أما مدرس التاريخ والجغرافيا الذي لا يعرف أي شيء عن أحكام التجويد وغيرها وقد تركها مذ كان في المدرسة كيف له أن يعطيها؟ قد يقول قائل: مادة غير مهمة، قد تكون كذلك في الشهادة الثانوية، أما بالنسبة لطالب التاسع فهي مهمة وتحسن مجموعه، نقول هذا والمدرسة التي كلفت بإعطاء الديانة أو الوطنية لديها نصاب من16-18 حصة ليصبح 19 حصة علماً أنه وحسب معلوماتنا لا يوجد في جبلة المدينة هكذا نصاب، إضافة لذلك كله مناهج جديدة وتحتاج للتحضير المضاعف وقيل لنا حرفياً بإمكانكم قراءة الدرس للطلاب على الحاضر فقط، هل هذا هو الحل؟ مدرس عنده خدمة تعليم طويلة لا يسمح له ضميره بأن يخرج من الصف قبل شرح الدرس وإيصال المعلومة للطالب بالشكل الأمثل، نعتبرهم كأبنائنا، هل نرضى أن يعامل أبناؤنا في مدارسهم بهذه اللامبالاة والإهمال؟ لا والله .
في ثانوية وادي القلع لا يوجد أي نقص في أعداد المدرسين لأنه تم تدارك النقص مؤخراً، وإنما في الثانوية (وطبعا مختلطة ومن ثلاثة طوابق) تقوم المديرة نوال إسبر وعلى حد قولها بعمل الإدارة والتوجيه بآن واحد، حيث أنه رغم المطالبات المتكررة بأن يعين موجه للمدرسة، لكن لم يستجب لطلبها حتى الآن، فهل يعقل أن تكون مدرسة ثانوية مختلطة من ثلاثة طوابق بدون موجه؟
هناك مسألة أخرى تتعلق بالمدرسات المساعدات اللواتي تم تعيينهن العام الماضي بالشواغر (الدفعة الأولى، لغة إنكليزية) أنه تم إبقاؤهن في القرى البعيدة، واللواتي تم تعيينهن هذا العام عُيّن في قرى قريبة وحسب معايير الواسطة (خيار وفقوس) وللعلم لم تجرؤ كل من تواصلنا معها وهن كثيرات على ذكر اسمها خوفاً من العاقبة بالتشفي منها لذلك، رغم كل التطمينات بعدما استفاضت بالشرح والشكوى استحلفتنا بأغلظ الأيمان ألا نذكر اسمها ولا مدرستها، ونزولاً عند رغبتها كان وعدنا، كذلك نتمنى ألا يتسبب ذكرنا لأسماء البعض أي ضرر.
وفي الختام وللأمانة فقد ذكر أكثر من مدير مدرسة ومعلم ومدرس أن العملية التربوية انتظمت واتجهت للأفضل منذ ما يقارب الشهرين، وبالنسبة لما ذكر آنفاً لسنا ضد تطبيق القرارات والقوانين، ولكن أن تلحظ الحالات الإنسانية الاجتماعية شرط ألا تتعارض مع مصالح الجميع طلاب ومعلمون وإدارات، ونعلم أنه في غالب الأحيان تكون القوانين قاسية جافة، لكن بالتنسيق والعمل وتدوير الزوايا يمكننا الوصول إلى مبتغانا بنتائج مرضية لجميع الأطراف وكما ذكرنا دون المساس بنجاح العملية التربوية.

آمنة يوسف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار