الاقتصــاد… والشــائعات .. الإشاعــــة يؤلفها حاقــــد وينشــــرها أحمــــق ويصدقها غبي

العدد 9537
الثلاثاء 25 شباط 2020

 

(إنه الاقتصاد يا غبي) هذه العبارة التي استخدمها بيل كلينتون خلال حملته الانتخابية عام 1992 ضد منافسه بوش الأب تختصر وتعكس مدى أهمية الاقتصاد ودوره فهو عصب السياسة ومحركها، لأجله ترسم السياسات، وتوضع الاستراتيجيات، وتقام التحالفات، وتعقد المعاهدات، وبسببه تندلع الحروب، وتحاصر بلدان، وتحتل دول, وتعتبر قوته أحد أهم أشكال تحقيق الأمن الوطني والقومي نتيجة ارتباطه بشكل مباشر بحاجات الناس اليومية والمعيشية، ونظراً لأهميته وقدرته على التأثير الفردي والجمعي يتم استهدافه إما بطريقة مباشرة من خلال الحصار وفرض العقوبات أو غير مباشرة عن طريق بث الإشاعات بهدف زعزعة الاستقرار.

نوع من الدعاية
الإشاعة كما عرفها لنا الدكتور أسامة محمد أستاذ علم الاجتماع ونائب عميد كلية الآداب في جامعة تشرين بأنها (نشر رواية لتأويل الاحداث ونقلها من شخص لشخص تتعلق بحدث أو قضية تخص الشأن العام) وتوجد لها تعريفات أخرى ومتنوعة وغالباً ما تكون شيقة ومثيرة لفضول المجتمع وتفتقر للمصدر الموثوق ويصنفها بعض الباحثين بأنها نوع من الدعاية (البروباغندا).
وتتنوع أهداف الإشاعة حسب مبتغى مثيريها منها ربحي (مادي) ومنها سياسي وبعضها بهدف اللعب واللهو (الشائعات حول المشاهير) وأخرى يصنعها المجتمع بنفسه خصوصاً للأمور المرتقبة أو المزمع حدوثها وذلك بكثرة ترديدها والسؤال عنها.
وأوضح د. محمد أن سبب انتشار الشائعة يعود إلى انعدام المعلومات، وندرة الأخبار، وتنتشر بكثرة في المجتمعات غير المتعلمة أو الواعية فالمجتمع الجاهل بيئة مناسبة لها، وساهمت وسائل الاتصال الحديثة في سرعة انتشارها، وهناك عاملان يسهمان في خلق الشائعة وترويجها هما الأهمية والغموض، أهمية الموضوع بالنسبة للأفراد المعنيين، وغموض الأدلة الخاصة بالموضوع، وقد تحتوي الشائعة على جزء من الحقيقة ولكن عند الترويج تحاط بأجزاء خيالية.
وقسّمها بيساو إلى ثلاثة أنواع:
• الشائعة الزاحفة: تروج ببطء ويتناقلها الناس همساً وبطريقة سرية تنتهي إلى أن يعرفها الجميع ومثال عليها تلك التي توجه ضد الحكومات أو التي تهدف إلى عرقلة أي تقدم اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي.
• شائعة العنف: تروج عن الحوادث والكوارث, أو الانتصار أو الهزيمة في زمن الحرب وتستند إلى عواطف جياشة من الذعر والغضب والسرور المفاجئ.
• الشائعة الغائصة: تروج في أول الأمر ثم تغوص تحت السطح لتظهر من جديد عندما تتهيأ لها الظروف المناسبة.
والشائعة تجعل الخطأ صواباً والصواب خطأ، وسيطرتها على العقول قد تؤدي إلى تغير في السلوكيات، ويزداد انتشارها في الأزمات والحروب وأعمال الشغب وتعكس التعصب وأحياناً تكون وليدة الخيال.
ولمواجهتها يجب التأكد من المصدر خصوصاً في الأخبار الحساسة والمهمة، والتعامل بمنطقية مع الأخبار، والتوعية، ومحاربة الصفحات والمنتديات التي تنشر أخباراً بلا مصادر، والشفافية والنزاهة في تناول الأحداث، والإيمان والثقة بالبلاغات الرسمية، واستغلال وسائل الإعلام المختلفة لعرض أكبر قدر من الحقائق مع حذف التفاصيل التي قد يستفيد منها العدو.
وختم د. أسامة محمد حديثه بالقول الملل والخمول ميدان خصب لخلق الشائعة وترويجها، فالعقول الفارغة يمكن أن تمتلئ بالأكاذيب، والأيدي المتعطلة تخلق ألسنة لاذعة فالعمل والإنتاج وشغل الناس بما يعود عليهم بالنفع يساعد إلى حد كبير في مقاومة الشائعة.
غالباً ما تكون الشائعات المسمومة نتيجة دعاية العدو ومن يقومون بترويجها هم أعداء الوطن، لذا فإن النجاح في كشف دعاية العدو بطريقة سهلة واضحة ومحاربة مروجها بكل وسيلة هما دعامتان أساسيتان يرتكز عليهما تخطيط مقاومة الشائعات.

تأثيرها على الاقتصاد
وعن الشائعة الاقتصادية قال رئيس قسم الاقتصاد في جامعة تشرين الأستاذ الدكتور عصام إسماعيل: توجد الإشاعات في جميع المجتمعات، وتتميز بسرعة الانتشار سواء كانت سيئة أم جيدة، وقد جعلت وسائل الاتصال ونقل المعلومات انتشارها أسرع على المستوى المحلي والعالمي وعادة ما تصيب المجتمعات التي تفتقر إلى وجود المعلومات الصحيحة عن الموضوع المثار وتكثر في الأزمات (حروب، كوارث طبيعية، أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية … إلخ)، وتعدد وتتنوع انعكاساتها بحسب القطاع المستهدف (اقتصادي، اجتماعي، سياسي …. إلخ) وسنتحدث هنا عن تأثيرها على الاقتصاد بشكل مختصر.
تؤثر الإشاعة أكثر ما تؤثر في العرض والطلب وبالتالي في الأسعار السائدة في السوق فمثلاً بث إشاعة بأن سعر سلعة ما أو مجموعة سلع سوف يرتفع ينتج عنه أثران متزامنان الأول على المستهلكين والثاني على المنتجين.
بالنسبة للمستهلك: سيحاول أغلب المستهلكين الحصول على كميات إضافية من السلعة أو السلع المستهدفة وذلك قبل زيادة الأسعار وهذا يعني أن الإشاعة أدت إلى زيادة الطلب على السلعة أو السلع المقصودة.
بالنسبة للمنتج: في الأوضاع الطبيعية يجب أن يزيد العرض بنفس نسبة زيادة الطلب في هذه الحالة يبيعون أكثر ويحققون أرباحاً أكبر لكن هذا لا يحدث، الذي يحدث فعلاً أن المنتجين يخفضون العرض عن طريق تحويل منتجاتهم إلى المخازن والمستودعات بهدف الحصول على أسعار أعلى مستقبلية مما يضاعف الفجوة بين الطلب المتزايد والعرض المتناقص والذي يستغله المنتجون والتجار برفع الأسعار والنتيجة النهائية ارتفاع أسعار السلع المستهدفة وهنا تبدأ المشكلة فالإشاعة تحققت.
ردة الفعل الطبيعية أن ينخفض الطلب نتيجة ارتفاع الأسعار (قانون الطلب) لكن الذي يحدث هو العكس فالطلب يزداد مرة أخرى خوفاً من زيادات مستقبلية، ويستغل ذلك المنتجون والتجار برفع الأسعار مرة أخرى وهكذا…, الأمر الذي ينعكس سلباً على الأفراد فالزيادة في الأسعار لم تترافق في أغلب الأحيان بزيادة الدخل، مما يعني أن المستهلك أصبح يحصل وبنفس الدخل على سلع أقل مما كان يحصل عليه قبل الارتفاعات المتتالية والنتيجة انخفاض مستوى معيشة الأفراد بسبب ارتفاع أسعار المواد التي يستهلكها، وانخفاض القيمة الحقيقة للنقود التي يحصل عليها (انخفاض القوة الشرائية للنقود) لنصبح أمام حالة تضخم نقدي مما يدخل الاقتصاد بمشكلة أخرى وهي أحد الأمراض الأكثر فتكاً بالاقتصاد (التضخم النقدي) وما يرافقه من انعكاسات اقتصادية واجتماعية سلبية جداً.
القانون والشائعة
وعن العقوبة بحق مثير الشائعة ومروجها قال نائب عميد كلية الحقوق في جامعة تشرين الدكتور أحمد مضر زعيرباني:
لقد تصدى المشرع الجزائي لتجريم الشائعة نظراً لأثرها الكبير على الاقتصاد خاصة بعد تطور وسائل الاتصال الحديثة وغالباً ما تتعرض اقتصاديات الدول، وخصوصاً النامية للإشاعة بهدف عرقلة النمو والتقدم الاقتصادي.
وما عجز عن تحقيقه أعداء الوطن من خلال المواجهة المباشرة سيحاولون تحقيقه بوسائل أخرى منها بث الأكاذيب والشائعات لذلك سارع المشرع إلى تعديل المادة /309/ من قانون العقوبات رقم /148 / لعام 1949، بحيث يعاقب بالاعتقال المؤقت وبغرامة من مليون إلى خمسة ملايين ليرة كل من أذاع أو نشر أو أعاد نشر وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة أو وهمية بإحدى الوسائل المذكورة في الفقرتين 2 و3 من المادة (208) أو عن طريق الشبكة التي أشار إليها بقانون تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم (17) لعام 2012 أو بأي وسيلة اخرى لإحداث التدني أو عدم الاستقرار في أوراق النقد الوطنية أو أسعار صرفها المحددة بالنشرات الرسمية أو لزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها وجميع الأسناد ذات العلاقة بالثقة المالية وتصنف هذه الجريمة من ضمن الجرائم الواقعة على أمن الدولة فالمشرع يحاول من خلال قانون العقوبات منع انتشار الشائعات التي قد تضر باقتصاد البلاد او مكانة الدولة المالية.
وينص قانون العقوبات في المادة (208) منه بأنه من أذاع بإحدى الوسائل المذكورة في الفقرتين الثانية والثالثة من المادة المذكورة وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة لإحداث التدني في أوراق النقد الوطنية أو لزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها وجميع الاسناد ذات العلاقة بالثقة المالية العامة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من مئتين وخمسين ليرة إلى ألف ليرة.
تجدر الإشارة إلى أن المادة (208) من قانون العقوبات حددت الوسائل التي تتحقق العلانية فيها كاستخدام الكلام أو الصراخ سواء جهراً أو نقلاً بالوسائل الآلية بحيث يسمعها في كلا الحالتين من لا دخل له بالفعل إضافة للكتابة والرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتصاوير على اختلافها إذا عرضت في محل عام أو مكان متاح للجمهور أو معرض للأنظار أو بيعت أو عرضت للبيع أو وزعت على شخص أو أكثر لكن المشرع اشار إلى وسائل تتحقق العلانية فيها في العصر الحديث أكثر من غيرها فأضاف إليها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي عبر الأنترنت.
في الختام
يقال: (الإشاعة يؤلفها حاقد، وينشرها أحمق، ويصدقها غبي) فعلينا أن لا نكون ناقلين سلبين وحمقى أو متلقين أغبياء ويقول المثل: (إذا كنت تصدق كل ما تقرأ فتوقف عن القراءة) وهنا تكمن أهمية المعرفة والوعي والمحاكمة العقلية للخبر والمعلومة فيجب ألا نصدق كل ما نقرأ أو نسمع، فليس للحرب ساحة واحدة بل ساحات عديدة ووجوه عدة.

سنان سوادي

 

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار