زميلتـي.. في العمــــل!

العدد: 9523

الاربعاء:5-2-2020

 

يرافقهن على مقاعد الدراسة، ويشاركهن الصف، يسيران في طرقات الحياة الوعرة بضحكات وعبسات، حتى يصلان للعمل في مؤسسة وبغرفة واحدة وقد يجد فيها أكثر من زميلة، وهو وسطهن مغلوب على أمره كما في ظنه، لولا من كان حوله من رفاقه الرجال وزملائه الآخرين الذين يسارعون عليه بالقول (نيالك)، فإن كانوا يحسدونه على ما جاء حظه عليه في أن يساكن الجميلات فكيف له أن يجافي حقيقة ما توسوس زوجته في خفاياها؟ وهو الذي يأتيها بعد الدوام ويطل في كل يوم بشكل ولون وحامل معه جاكيت جديدة أو بنطلوناً، أو يتصل بها من داخل حجرة مكتبه وقد جف حلقه ومعدته (تصوص) من الجوع ليزف لها خبر طبخة يشتهيها وقد اعتلت في رأسه وخارت عند ذكرها قواه، أو يناديها بفلانة وليس باسمها حرف منه عندها تقع الواقعة.

* السيد كرم، موظف، يؤكد أن المرأة ولو شغلت أصعب الوظائف وأكبرها، فإنها لن تنسى واجباتها لبيتها وأولها (ماذا ستطبخ، وهي سيرة كل يوم) ويشير أنه يداوم من الثامنة صباحاً وحتى الثالثة إلا ربعاً مع ثلاث موظفات في الغرفة، منذ ثمانية أعوام، وقد وجد في صحبتهن الكثير من السعادة وأيضاً الألم والجوع، فليس يخلو يومه من الحديث عن الطبخ والنفخ في نارهن لتنسل شهيته وسط الأوراق المكومة على طاولته بما جاء فيها من أعمال وبريد مستعجل، ويطاله الجوع ويزن في رأسه عصفور معدته، ولطالما رمى الأوراق جانباً وأسرع بطلب ما جاء في قائمة الطعام وعند زوجته ولو كانت هي الأخرى في مكان شغلها فأمره مجاب (بدي برغل بحمص، أو كبة) وكيف (تجيبه من خلف الموبايل) ليرد: لا أعرف المهم أني سآكل هذه الطبخة هذا النهار وعلى الغداء، لا أعلم إني كنت سأموت في يوم ما من وراء أحاديثهن في الطبخ وسواه.
* السيدة ميساء، معلمة، تشير أن زوجها له مكانته ومنصبه في المديرية، ولديه سيارة كيا خاصة يذهب بها إلى الدوام، ويأخذ معه في طريقه إلى مكان عمله كل فتيات المكتب وحتى عند عودته يكون الأمر ذاته، ولينال خلال ساعات العمل منهن الدلال فكل واحدة تأتي له بفنجان قهوة أو شاي أو غيره، وجميعهن يدعون له بالدوام والصحة ولا يأتين على ذكر (المدام) التي تبرد أعصابها وتشد على يديه وما يقترفه لينال عليه الأجر والثواب، وقد شاهد ما كان في أمره شاهد عيان من أهلها (أخوها) (السيارة تنحشر فيها الشقراء والسمراء وذات العيون الخضراء) ليمهل من سرعة سيارته ويناديه باسمه ويلقي عليه السلام فكان أن ضحك له الزوج ولم يعطه الجواب، الذي لقيه في البيت عند عودته حيث أخبرته زوجته والتي لم تشك به يوماً ولم تشك بأن ابن أبيها وأمها شاهده وروى لها قصته، لكنها لم تعره اهتماماً ولن يلعب في عقلها فأر فهو فعل فاعل خير خاصة أننا نعيش أياماً صعبة وعجافاً (ومن يخفف على الناس يخفف الله عنه) لكن عليه أن يحسب حساباً للقيل والقال من المتلصصين والجيران.
* السيدة ربا، ربة بيت، ترى الأمر بمنظور آخر فترمي بقولها (زوجها نسونجي) وكان أن ابتلاها عمله بتواجده وسط موظفات جميلات صغيرات، ومنهن العانسات اللواتي يرضين برجل تزوج وما أكثرهن هذه الأيام، و طوال ساعات النهار هن بكامل أناقتهن وزينتهن وبأحسن وجه، وكلامهن المغزول والمعسول الذي فيه غسول لعقله ولبه، وهي جالسة في البيت لم يرض لها أن تتوظف بشهادتها الجامعية واكتفى بها زوجة وأماً تحضر له الطعام وتدرس الأولاد وعلى منوال كل يوم ومنذ الصباح الباكر كالمكوك تدور في شؤون بيتها وتحوك ليكون البيت السعيد ولم تلمح وجهها في المرآة لتتزين أو تتعطر ولم يتسع وقتها لتغيير بجامة نومها، ليعود إليها مكتنزاً داخله بعبارات الاستحسان على هندامه وحديثه اللبق والظريف وحسن تعامله مع الجنس اللطيف، وليفض ما في نفسه من إشارات وقد يتجاوز انعطافات نفسها ويمر عليها بانكسارات ولا فرامل لديه لينطق باسم زميلته ويضعها في أفعال جمل مفيدة تشب عليها بالريادة والشطارة والكياسة، وتقول: ينسى أني أنتظره ولست بأقل منها في شيء، ولست قطة عمياء وأعرف ما يدور خلفي لكني لا أريد أن أفتح باباً أنا بغنى عنه، فأنا مستمعة جيدة وكل حين أعزف على وتره الحساس كي لا ينسى أني فضلته على كل الرجال واسترضيت أن أجلس في البيت لأجل خاطره، وإذا ما طربت أذنه ورق قلبه لتلك الفتاة فقد جاء يومه الموعود، إني أنتظر فلكل وقت آذان.
* السيد تمام، صاحب محل تجاري ولديه صبيتان في ذاك المكان لأجل البيع والشراء وبالطبع اختارهما من الجميلات لجذب الزبائن والزوار وفتح بازار الشراء، وهو يعرف حدود التعامل مع العاملات ولا يجاوزها فللمحل سمعته لهذا قال: الزوجة بطبعها تشك برجلها وتغار عليه عندما يتواجد مع امرأة غيرها وهذا شيء من الحب، وكثيراً ما تسلبه الكلام عن فلانة عنده هي كذا وكذا، وحتى أنها تباغته بحضورها إلى الدكان بحجة أنها في السوق ومرت لتسلم وتطمئن عليه، ولطالما أعلنت حربها عليه إذا ما بدر من إحداهن كلمة أو تصرف لم يرضها، لهذا أخفف عنها وأرفع الراية البيضاء لها، فلا أزعج نفسي أو أزعجها وأنكد حياتي، لكن شرط أن لا ينال الفتاة الأذى منها، وقد اعتدت على غيرتها، سحابة صيف وتمر.

هدى سلوم – معينة جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار