شمس الصباحات

العـــــدد 9522

الثلاثـــــاء 4 شــــــباط 2020

 

كان موقفاً غرائبياً بكل ما تكتنفه هذي الكلمة من معنى عندما وصل جثمان الشهيد إلى أهله، علت الزغاريد الممتزجة بالدموع، اختلطت صيحات التكبير بتهليلات النساء الباكيات، كان الرتم أشبه بالوقوف على برزخ شاهق بين الحياة والموت، تكاد تفقد ناصية الحواس، تباغتك اختلاطاتها بكل القسوة، يمتزج الخوف بالحزن بسيل جارف من وجع الروح، هو ذا النعش الواجم يعلو الأكف الضارعة إلى الله رحمة و دعاء، وسط كل هذا الزحام المتشح بالفجيعة يشق صوت الأم المكان، يعلو وكأن به يمزق كبد السماء، ماضياً بلا هوادة.
أي ألم يشطر الكون مثل هذا الألم؟ أي وجع يختصر حزن البشرية منذ ألف عام ونيف كهذا الوجع؟ ربااااه! كيف لمثل قلب هذي الأم الرؤوم أن يحتمل موت وحيدها؟ كيف للراسيات ألا ترتعش لفصام روح عن روح؟ كيف للعاتيات ألا يشق حجابها بصرخة قلبها الدامي؟ هي ذي لغة الحروف تتعطل دائماً في حضرة الإنسانية الموغلة في الشفافية، عندما تجتاحنا أرقى المشاعر و أرقها و ربما أكثرها إيلاماً للروح، هي ذي الروح بكنهها شديد الغرابة والغموض، تثخنها الجراح فتبكي بصمت، يكاد أنينها الصامت أن يوجع كل ما هو شفيف وراقي السريرة تحت هذي الشمس، كم يوجعنا أنين تلك الأمهات الثكالى؟! تعبت أرواحنا أسى على فراق تلك النفوس العابقة بالشذى، وأنهك ذا التراب من حزن متقد على احتضانه جثامين شهدائنا الطيبين الأبرار، كم أطفأت رياح الحقد من شمعة حالمة في بلادي؟! على رسلك أيتها الغالية! أيتها الأم السورية الماجدة، منذ فجر التاريخ كنت وستبقين مثل هذه الأرض المقدسة، تغتسلين بالماء لتنبت من رحمك الحياة بكل بهائها وحضورها الباذخ، أجل يا شمس الصباحات وقنديل كل مساء، كنت وستبقين أيقونة المجد والكبرياء حتى تغفو الحكاية على صدر المساء الأخير.

نور محمد حاتم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار