العـــــدد 9522
الثلاثـــــاء 4 شــــــباط 2020
هي ذاك المكان الذي تخلد إليه المرأة لتجد نفسها وما يجول فيها لترسم صورها بكل مكان وعلى جدار أي زمان، لا يهمها إن كانت طبيبة أو ربة بيت أو مهندسة أو جامعية وغيرها من الصفات والإضافات التي لقبت بها ولا تكفيها، فهي اعتادت أن تقف في كل الميادين والجبهات وتتحمل كافة المهام والمسؤوليات، ولتتمسك بحبال اتزانها وتوازنها ولا يفلت منها أمر بجهل أو تقصير كان عليها أن تتقن ما وجدت عليه أمها وباقي النساء لتتحايل على العيش والقهر وتملأ باقي ساعات يومها بما يزيدها معرفة ومهنة لتحلق عالياً كفراشة تلّون ربيعاً على كل من حولها ولا تجد ذلك بغير تلك المساحات الآمنة في الرمل الشمالي.
في زيارتنا لتلك المساحات حيث ازدهرت بأشكال وألوان من صور النساء التقينا بالسيدة تانيا الخير مديرة المركز حيث أشارت أن هذه المساحات هي مركز لدعم وتمكين المرأة نفسياً ومهنياً، وقالت: لدينا دورات مدة الواحدة ثلاثة أشهر وهي: الخياطة، الصوف، الكوافيرة، إسعافات أولية، إنكليزي، كومبيوتر icdl على مدار الأيام والعام بالمجان، وغرف المركز جميعها مشغولة بالتعلّم والعمل طوال اليوم لأجل كسبهن الخبرة والمعرفة في المهنة التي قصدن المركز لأجلها، وهناك بعضهن لا يخرجن المركز إلا وقد أتقن معظم المهن ونلن كل الدورات بمستويات ودرجات.
أما في الجانب النفسي نقوم في المركز بجلسات توعية جماعية وأخرى فردية نركز فيها على حالات gbv وهي العنف القائم على النوع الاجتماعي، نشرح للمستفيدات عن مشاكلهن وما يتعرضن له من عنف لنتبين لها حلاً وندلها طريقها عسى أن يكون فيه العلاج، ولدينا أيضاً جلسات توعية صحية لزيادة ثقافة المستفيدات والمترددات على المركز بالجانب الصحي والوقائي.
لدينا فريق جوال تابع للمركز يقوم بجولات على باقي أطراف المدينة ويصل للأرياف، يقدم شرحاً عن المركز وأعماله والجمعية التي أنشأته والمهام والخدمات التي يمكن أن يقدمها دون أجر، والتي تتضمن جلسات توعية صحية ونفسية حيث الفريق يتكون من مثقف صحي وداعم نفسي.
قمنا بالعديد من النشاطات مؤخراً نذكر منها: حملة 16 يوماً للعنف القائم على النوع الاجتماعي، الشهر الوردي، وفي الشهر القادم لدينا اليوم العالمي للمرأة، كما احتفلنا بقدوم عام جديد مع المستفيدات من خدمات المركز وكانت احتفالية تخرجهن من كافة الدورات وغيرها الكثير.
على الجانب الأيسر منا كانت غرفة الخياطة التي تتوسطها طاولة مستطيلة كبيرة حلقت المستفيدات حولها وبأيديهن بعض الأقمشة والخيطان، وحولهن ماكينة خياطة وأخرى درزة والثالثة حبكة جديدة صناعية، وعلى الحيطان نماذج وملابس دون (ملكان) رفعت بالدبابيس وعرضت فيها الفن والإتقان، وكانت المدربة دالين حيدر تشرح نموذج تنورة قصيرة وكلهن منصتات ومشغولات بالنموذج الذي بأيديهن.
دالين حيدر، هي أول من وجد في المركز عند افتتاحه منذ أكثر من ثلاث سنوات، حيث أشارت لنا أنه كان المستهدف منه النساء اللواتي هجرن وقدمن إلى اللاذقية والمستضعفات وليس لديهن وظيفة، لكن شريحة المترددات على المركز قد توسعت وتبلورت خدمات المركز لتشمل جميع من يقصدن المركز (مهندسات، معلمات، طالبت جامعيات، ربات بيوت..) ويكون معهن التعليم أسهل وأسرع، قالت: كنا نجد صعوبة في التعامل مع الأميات لنستخدم كف اليد بالقياس.
وما زال دعم المركز متوفراً لجميع المستفيدات فالمواد متوفرة (قماش، إبر، خيطان، دبابيس، وغيرها) لدينا لنضعها بين أيديهن ولا يطلب منهن إحضار أي شيء، كما يمكنها أن تأخذ ما أنتجته لتستفيد منه، وأيضاً نحن نشارك بإنتاج السيدات في بازار دمشق المركزي كل عام، ونأمل أن يكون لدينا بازار محلي باللاذقية ليكون فيه خطوتهن الأولى نحو الجد والإنتاج، ونحن قد عملنا على تأمين فرص عمل لبعضهن في مشاغل وورشات خياطة.
بعض الحاضرات في الدرس نطقت إحداهن وقالت: إنها ربة بيت ولطالما قامت بمسؤولياتها كافة تجاه عائلتها وكبر ابنها ليكون طبيباً، هاجر إلى ألمانيا وشكّل فراغاً في حياتها، وقد لقيت بقصدها المركز ما يشغلها ويثير الاهتمام وهي إن قصدت ولدها في غربته لن تكون فارغة اليدين وستشغل وقتها بما يفيد، أما رفيقتها التي بجانبها فقد أشارت أن حالها ضيقة ولا علم تحفظه ولا وظيفة تسندها لتربية الأولاد بعد تهجيرها، وهي اليوم تتقن الخياطة في المركز وتقوم في البيت ببعض الترقيع وتسوية ملابس الجيران التي اعتراها التمزيق أو التقصير ليكون في مردودها بعض العيش، أما الأخرى من المستفيدات فهي تحلم بأن يكون لها مشغلها الخاص.
النوار سلمان، مدربة لغة إنكليزية قالت: بمبادرة تطوعية لمركز ألف مع جمعية تنظيم الأسرة لدعم المرأة كانت صفوف تعليم اللغة الإنكليزية، والمستفيدات تجاوز عددهن 50، فيوجد من تأتي من بانياس ومناطق بعيدة وهن ملتزمات وبأعمار وأشغال مختلفة ومتفاوتة، لكنهن يتقاسمن صفة واحدة وهي الرغبة في تعلم اللغة الإنكليزية ليكن طالباتنا المجدات يتقن مهارات التواصل الحياتي والمحادثة والموسيقى والأغاني من كتب متطورة، وتوجد مستويات: أول وثان وثالث ورابع نعتمد فيها على نظام المذاكرات والامتحان النهائي لتكون لكل منهن شهادة موثقة من المركز والجمعية، في المركز الأول نركز على القواعد الأساسية للتواصل، وفي باقي المستويات نركز على التمكين باللغة كتابة ومحادثة.
إحدى السيدات وقد تجاوز عمرها الخمسين قالت: لطالما أحبت تعلم اللغة الإنكليزية لكن حظها منعها من التعلم، تزوجت وترتبت عليها مسؤولية الزوج والأولاد وما إن كبروا ودخلوا الجامعات حتى عادت رغبتها تسطو عليها لتندفع إلى مركز دعم المرأة وتدخل صف الإنكليزي، وأكدت أن العلم لا يقف عند حد، ويمكن أن تفيد غيرها مما تعلمته يكفيها أنها حققت ما كانت ترغب به.
كوكب طراد، مدربة كوافيرة أشارت إلى أن الجمال تبغيه كل أنثى لتجمل نفسها وتزيد ثقتها بنفسها ويكفيها أنها لا تحتاج للكوافير وساعات انتظار طويلة في المحل في أيام المناسبات ومرافقة زوجها، لهذا يجب على الفتاة أن تجيد صناعته لنفسها أولاً ثم تعطيه للآخرين، والفتاة التي تقصد صفنا لتتعلم مهنة الكوافير يجب عليها وقبل كل شيء أن تتقن قواعد الصنعة وأولها الروح المرحة لا الحشرية والنفسية الحلوة المطمئنة والمعاملة الحسنة أي أن تجمل داخلها، بعدها ليكون أداؤها بأعلى جودة، فالمهنة بحر من العلم والفن وليس في الشعر وتسريحه فقط بل يشمل أيضاً تنظيف البشرة وتقليم الحواجب والزينة وغيرها الكثير مما تطلبه الزبونة، الشرح هنا يوجب التطبيق والعمل باستمرار وعلى مدى الأشهر الثلاث للدورة تبدأ بتعلم القص والسيشوار والليس بعدها الصبغات ودمجها وسحب اللون و.. الكرياتين والبوتوكس وآخرها تسريحات الشعر والشينون العالي مما يظهر براعة يديها وذوقها، وتوجد دورات متقدمة للمتميزات لتتعلم ماكياج العروس والوشم وغيره.
إحدى المستفيدات أكدت أنها منذ الشهر الأول لدخولها الصف وهي تعمل في بيتها ليأتيها بعض المردود الذي يكفيها للعيش ووالدتها بعد وفاة والدها، وأكدت أن هذه المهنة لا يمكن أن يطويها الزمان .فالجمال مطلب كل إنسان شاب كان أو فتاة وفي كل ساعة ووقت.
هدى سلوم