دعــــــوة للقراءة … «مرحباً .. هـــــل من أحـــــد هناك؟» توظيــــــف الخيــــــال والتســــــاؤل .. لاكتشاف الآفـــــاق الواسعة للعــــــالم من حولـــــنا
العدد: 9518
الاربعاء:29-1-2020
عن الخيال وأهميته في حياتنا يقول العالم الفذ ألبرت أينشتاين:» المنطق سوف يأخذك من النقطة ألف إلى النقطة باء، أما الخيال فسوف يأخذك إلى أي مكان تريده». كيف لا؟ وهو .. بساط الريح الحقيقي الذي يمتطيه الإنسان ليجوب من خلاله الآفاق ويتحدى الصعاب ويبني به جسوراً ودعامات لأساسات الواقع الذي يعيشه .. ودعوتنا للقراءة اليوم لأعزائنا الأطفال، أصدقاء واحة الطفولة – هي دعوة تسلط الضوء على رواية رائعة للأطفال متكاملة الصياغة شكلاً ومضموناً مثيرة للخيال والتأمل، تحث الأطفال على مناقشة الآراء الجديدة والأفكار غير التقليدية .. وتساعدهم على تصور وجهات النظر المختلفة، وتوجههم إلى بحث الاحتمالات الكثيرة للقضايا والنظريات المطروحة . . إنها قصة تثير اهتمامهم بالقضايا والنظريات العلمية، وتفتح لهم آفاقا واسعة على العالم من حولنا، وعلى مجالات أساسية للمعرفة العصرية وتدعوهم إلى محاولة كشف الجديد منها ومعرفة المزيد عنها . وهي رواية: مرحباً .. هل من أحد هناك؟ من تأليف الكاتب النرويجي الشهير: جوستاين غاردر وتعريب: أماني العشماوي . وهذه الرواية هي محور دعوة القراءة لهذا العدد التي وجهتها لنا الصديقة حلا صالح – الصف السابع ، مدرسة: سهيل أبو الشملات لمطالعة هذه الرواية الجميلة التي توجزها لنا عبر السطور الآتية:
الصديقة حلا صالح
وقعت أحداث هذه الرواية عندما كان (جو) في الثامنة من عمره، فقد ذهب والداه إلى المستشفى بينما بقي هو جالساً على مقعد أمام النافذة منتظراً وصول أخيه المولود الجديد، وبينما كان (جو) يتأمل النجوم متسائلًا إن كان هناك حياة على كواكب أخرى اندفع شهاب ساطع أمام ناظريه عابراً السماء، عندها سمع صوتاً قادماً من الحديقة فذهب ليتأكد وعندها»رأى صبياً يتدلى من شجرة التفاح، كان ذلك» ميكا» ; لتبدأ سلسلة الأحداث الأكثر إمتاعاً عن طريق حوار بين (ميكا) القادم من الفضاء من كوكب آخر و(جو) الذي يقيم في كوكب الأرض، فالكاتب يرغب في هذا الكتاب المُفعم بتساؤلات مختلفة ومتعددة أن يحفز العقل على البحث وتفحُّص الحياة، وفي حوار استثنائي يعبِّر عن أهمية التساؤل ومدى عظمته وقيمته لنتعلم كل ما هو جديد في عالمنا.
وزيادة على المعلومات التي قدمتها الصديقة حلا في ملخصها نوجز ما ورد في دراسات أدبية عنها: تناقش هذه الرواية مسائل في غاية الأهمية؛ مثل التطور والسنة الضوئية والكون، ويدعونا (جوستاين) عن طريق الخيال الواسع إلى النظر إلى الحياة من منظور جديد بأسلوب (غاردر) الشيِّق والعبقري، ولعل كلمات (ميكا) المُندهش والمُتأمل تُحرِّك تلك المَلَكة لدى الأطفال ونلاحظ ذلك في رسالة يوجهها (غاردر) إلينا عن طريق هذا الحوار:»أعجب جو بإجابة ميكا فانحنى لها بشدة ولما رفع رأسه سأله ميكا: «لماذا انحنيت؟» قال جو: لأنَّك أجبت إجابة ذكية; ميكا: لكنَّ الإجابة لا تستحق الانحناء أبداً مهما كانت صحيحة أو ذكية; لا ينبغي الانحناء لها.» وكأنَّ غاردر يقول لنا بأنَّ السؤال إبداعٌ والباقي تتمة لا توازي ولا تساوي أهمية السؤال ويؤكد ذلك حين يقول (ميكا): إنَّ الإجابة تمثِّل الطريق الذي وراءك; أمَّا السؤال، فيشير إلى الطريق الذي أمامك، إنَّه يدل على الطريق القادمة.» وفي هذا حكمة يمرِّرها (غاردر) على لسان (ميكا) الفضائي؛ فهو لا يريد أن تنطفأ دهشتنا وتختفي غايتنا وتأملنا لما حولنا في هذا الكون الواسع.
وعن الرواية وأهميتها أجمع النقاد بأن الطابع الطفولي قد غلب على الرواية فأثرى فيها جواً من الدهشة والحركة ، وكان لشخصيات الرواية التي جسدها غاردر من خلال» الخيال الذي يحملنا – غالباً – إلى عوالم لم تكن موجودة قط ؛ وهو وسيلتنا لاكتشاف الكون الغني دون حدود بالحقائق الرائعة والعلاقات المتبادلة المتقنة والوسائل الذكية لاكتشاف الأشياء التي تكتنفها الأسرار. فمن خلال الدهشة والتساؤل يتجلى الحوار الذي يدور بين (جو) و(ميكا)، وهو محور الرواية؛ إذ يعتمد الكاتب على أسلوب الحوار الرقيق المعاني والغني بالمعلومات التي ستكون مهمة ومحفزة للقارئ على حد قول غاردر.
والجدير بالذكر أن جوستاين غاردر وهو كاتب نرويجي شهير، يعدُّ من أشهر الروائيين المعاصرين ، ولد جوستاين غاردر عام 1952م، درسَ غاردر الفلسفة وبدأ بممارسة مهنة التعليم حتى بعد أن اقتحم عالم الأدب بقوة، فأصبح يمارس التعليم والأدب معاً ، بدأ مسيرة الشهرة الخاصة به في النرويج من خلال روايته – سر الصبر- لكنَّه لم يخرج إلى العالمية ويحصل على شهرته إلا بعد نشره رواية – عالم صوفي – التي لاقت قبولًا كبيرًا، من أهم مؤلفاته: مرحباً.. هل من أحد هناك، سر الصبر، عالم صوفي، فتاة البرتقال، وحصد جوستاين غاردر العديد من الجوائز الأدبية منها: جائزة بكستيهوده بال في عام 1997م، جائزة ويلي برانت في أوسلو عام 2004م، ووسام سانت أولاف من الملكة النرويجية عام 2005م.
جوستاين غاردر
بقي للقول: استحقت بعض الروايات أن تنتزع لقب العالمية عن جدارة ومنها هذه الرواية» مرحباً .. هل من أحد هناك؟» لأنها رواية ممتلئة بالمعلومات الجميلة للأطفال والناشئة بالإضافة لجعلهم يكتشفون العالم من خلال أسئلتهم وتأملاتهم ، وكذلك هي دعوة للكبار ليتوقفوا عن تصنيف الأعمال الروائية الموجهة للأطفال كمغامرات طفولية ساذجة، متناسين رمزيتها وعمقها. فهي غالباً ما تحفل بالكثير من المواضيع التي تستحق الوقوف عليها مطولاً عبر أبطالها الذين نتعلم من خلالهم أن نكتشف الكون من حولنا ونخوض مواقف الحياة بشجاعة وأن ننتمي للعالم حقاً بعلاقاتنا وتساؤلاتنا ودهشتنا وخيالنا الذي لاينضب» فالخيال الجيد – كما يقول كولن ويلسون – لا يُستخدم للهروب من الواقع و إنما لخلقه» . والرواية معدة للناشئة ولكنها تحمل في طياتها تساؤلات جذابة مشوقة يستمتع بقراءتها من تتراوح أعمارهم بين 10- 16 سنة، وحبذا لو يقرأها الكبار من الآباء والأمهات ليبتعدوا عن سرد القصص العقيمة في مضمونها وطريقة طرحها والتي تفيض بها مكتباتنا والتي نتباهى بها كركن هام في بيوتنا بعيداً عن أي مضمون معرفي أو قيمي مفيد وممتع في آن معاً .
فدوى مقوص