العـــــدد 9511
الإثنيــــن 20 كانون الثاني 2020
قصة زهرة البنفسجة والعوسج لطالما رددتها في دواخلي وارتوت منها نفسي وأراها في البنت الوحيدة تتجلى بأبهى صورها، فقد لا يراها ويشعر بعبيرها ورونقها غير من هو في اقترب منها أو اختبر وجودها، ويليق بها (ليه يا بنفسج بتبهج وأنت زهر حزين)، رغم كل مظاهر الغنج والدلال التي تكسوها وصباغ الفرح تلون وجنات حياتها، لتتوجها أميرة على آرائك أسرتها من الوالدين والإخوة الصبيان إلى جدها وأخوالها و.. لتكون الفائزة في كل جولة بينهم بالتزكية وليس فيه ترشيح ومحظوظ من يفوز بقلبها إذ أصبح الأمير.
لكن، قد يكون العكس في ظنها حين تنسى أو تتناسى أنها فتاة وتتبع نهج أشقائها وتلحق بركبهم وملاعبهم التي تلاقي فيها من يناديها (حسن صبي) وفي كلتا الحالتين هي مظلومة ومضطهدة في الحياة التي تروي لنا فيها الحكاية بألف ليلة وليلة.
* السيد أبو أمجد، صاحب محل ألبسة، أشار أن لديه ابنة وحيدة وهي (دلوعة) البيت وتعرف بنفسها أن الجميع يود رضاها وليس لأحد من أولاده الشباب الثلاثة أن يرفض لها طلباً منذ كانت صغيرة وجميع طلباتها أوامر وهي ناجحة ومتفوقة في دراستها وقد دخلت كلية الصيدلة حيث قال: ليس في الدنيا أجمل من البنات، لقد وهبنا الله الصبيان أولاً وكنت مصرّاً أن أنال منه فتاتي الصغيرة لتملأ دنياي فرحاً وزهراً ويتم نعمته علي ببنت حنون، صغيرتي لم تكن يوماً جاحدة أو ظالمة أو متعجرفة بل هينة النفس ومرضية، تساعد والدتها وتحنّ علي، وحتى أنها تأتي إلى المحل في بعض الأوقات لتتفقدني وأحياناً تساعدني إن اضطرها الأمر، أما الشباب عندي فلا يستطيعون القدوم وكل منشغل بأمره، فمنهم العاشق ومنهم المتكئ على مقعد النت وغيره مع شلته في الجامعة وقد يتسكع في الطرقات، لا يهمهم شيء غير لعبهم وعبثهم وفي بعض الوقت لدراستهم، والفتاة عندي واعية أكثر منهم، صحيح أنها تحب (الغنج) لرقتها وصدقها ولينها وطيبها لكنها تعلم واجباتها ومسؤولياتها ولا أخاف عليها ومستقبلها بين يديها لكني أرفض أن يأخذها أحدهم مني وسأبحث لها عن زوج يليق بها ويستحقها وهذا ليس هيناً عليّ (اخطب لبنتك ولا تخطب لابنك) ودائماً ما أردد أمامها أني لن أزوجها وستبقى بجانبي ولن أدعها تغادر بيتنا فتضحك .
* الشاب أسعد، مهندس، أكد أن الشاب الذي يحظى بقلب فتاة وحيدة لهو قد فتحت له بوابة السماء و(أمو داعيتلو في ليلة القدر)، فهو الصهر الوحيد لدى عائلتها و(غلاوتو من غلاوتا) يكرمونه وله عندهم كل ما يريد، وقد يعطونه من العطايا والهدايا ما يجعل حياتهما بأعظمها، ولا ينقصون عليها شيئاً وخاصة إذا كان يشكو القلة وليس بيده حيلة غير ذاك الراتب السقيم كل أول شهر، كما أن ليس لحماته أن تنعته أو تقارنه بصهر آخر افتقدته (أكرم منك أو أخذها لشهر عسل في البلد الفلاني، أو ما بيجي غير حامل ومحمل أو ..) ألا ترى أيها الرجل كم هي الدنيا جميلة بجانب البنت الوحيدة لأهلها؟
* سمية فتاة، مراهقة، تراها قد نسيت نفسها بأنها أنثى ولا يليق بها عند ملاحقة أخويها إلى الملاعب لتكون بين رفاقهم حارس المرمى، وقد لبست الشورت كما هما عليه، والكل يناديها حتى البنات (حسن صبي) أشارت بأن ألعاب الفتيات ورفيقاتها في الصف وابنة الجيران سخيفة دمى كالأطفال ولا تستهويها، وهي قد اعتادت اللعب مع إخوتها وتطبعت بهم منذ كانت صغيرة تتركها والدتها مع أخويها وتذهب لوظيفتها كل يوم بعد أن أوصتهما بها، فتقلع معهما على الدراجة الهوائية ليأتيا بها إلى الساحة لملاقاة الأصحاب، وليس من اللائق بينهم أن تلبس الفستان، وكبرت
وما زالت بتلك الهيئة والوالدان منشغلان بهموم الحياة، ولا يتذكران أن لديهما فتاة غير في بعض المناسبات التي يلاحظن فيها فتيات الأقارب والجيران.
* ابتسام، حصلت على الشهادة الثانوية بعلامات قليلة ولم تؤهلها لتحظى بالدراسة بأي فرع في الجامعة، فكان منها أن تنشغل بهموم البيت وإخوتها وتنسى أن تتعقب خطواتها في وظيفة تستر آخرتها قالت: كنت وحيدة أبي المدللة عنده والتي أثارت غيرة إخوتي وزوجاتهم ولطالما ردد علي قوله: لماذا تتعبين نفسك ولدينا الرزق والأرض ولك في كل موسم راتب كأي موظفة، البنت يا روحي لبيت زوجها هذه سنة الحياة، وتوفي والدي لأكون خادمة عند إخوتي وزوجاتهم وأولادهم الذين تناسوا أني إنسانة ولي وجود ومشاعر، جميعهم يسكنون في بناء واحد متعدد الأدوار، وكل منهن موظفة تأتي بصغارها وتتركهم عندي وأنا لا أستطيع لهؤلاء الأطفال رداً فهم النبض في قلبي مع أن أمي تصيح بي أن أخرجهم وأغلق الباب، لكني أخاف أن أفقد عيشي فلا مال لدي ولا وظيفة، وتقاعدت عن سني الزواج، وأمي مريضة تطلب من أخوتي الدواء الذين سلبوا لزوجاتهم كل الميراث، ولم يتركوا لنا غير البيت الذي نسكنه، أعيش الغربة والوحشة بعد دلال والدي الذي أعمى بصيرتي، لأدفن بين جدران غرفتي وحاجاتي وسجني الذي أشكو فيه الأوجاع.
* آلاء، جامعية، تشكو الوحدة داخل جدران أسرتها وبيتها، رغم كل الاهتمام الذي تناله منهم وتحظى بالهدايا والعطايا والفرح كله لها بمناسبة وغير مناسبة، خاصة بعد أن أصبحت في الجامعة ورفيقاتها يروين ويتحدثن عن أخواتهن اللواتي يشاركنهن الغرفة واللباس ويتقاسمن رغيف العيش والهواء، تتمنى لو لديها أخت تتشاجر معها أو تتفقان، تضحكان وتبكيان، وتصطحبها إلى السوق وترافقها إلى كوشة عرسها والحلاق، وتحمل وليدها وتترفع بها عن الأوجاع خاصة وأنها قد فقدت حضانة والدتها بعد وفاتها والوصاية للأب الذي لم يهنأ باله بغير الزواج.
هدى سلوم- معينة جرعة