العــــــــــــــدد 9510
الأحد 19 كانون الثاني 2020
ضمن مبنى اتحاد شبيبة الثورة خُصّص قبوٌ باردٌ ومعتم شتاءً، ويرعى فيه الدود صيفاً، كانت لنا زيارة لجمعية التوحد في اللاذقية، لنتعرّف على رحلة من العذاب والألم رافقت هذه الجمعية.
هي التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والمشهرة كجمعية أهلية في 24/8/2006، تستقبل الجمعية كل من لديه اضطراباً في التوحد من عمر 6 سنوات – 26 سنة ويضم مركز الجمعية حالياً 24 طالباً وهناك باص مخصص لنقلهم منها وإليها.
لا أعرف من أين أبدأ الوصف لأنقل صورة واقعية صادقة لأصحاب القرار من الجهات المعنية، هل أبدأ من البرد القارس في المبنى الواسع المساحة، ولكن الذي تملأه الرطوبة والعتمة، غير المؤّهل للسكن، فكيف يكون مركزاً لحالات التوّحد؟ لأشخاص قسا عليهم القدر، يكفي هؤلاء الأولاد وأهاليهم الضغط النفسي والعصبي والروحي، يكفي إحساسهم بأوجاع وألام خصتهم بها الحياة، من دون أن يكون لهم أي ذنب في أوجاعهم تلك هي فقط إرادة الله.
بعد جولة في مقر المركز كانت لنا وقفة مع رئيسة مجلس الإدارة شهيدة سلوم والتي يعود لها الفضل الأول في تأسيس هذه الجمعية كونها أمّاً لطفل متوّحد لتنقل لنا بعضاً من هموم ومعاناة الجمعية فقالت:
بداية أشكر الإعلام على دوره الهام جداً على دعمنا في نقل الصورة الحقيقة لواقع الجمعية المؤلم لأسباب عديدة، لعلّ صراخ ألمنا يحّرك من بإمكانه المساعدة.
خمسة عشر عاماً من العذاب في التنقلات من مركز إلى آخر، ليستقر بنا الحال هنا في هذا المبنى الدائم الذي خُصصّ لنا ولكن للأسف المبنى بحالة أكثر من سيئة، وبواقع أكثر من مزرٍ، هو بحاجة للعديد من الإصلاحات والترميمات.
ففي الشتاء مأساتنا كبيرة وخاصة أيام المطر، إذ يفيض المكان بالماء، ونحتاج لنشمر عن ثيابنا كي لا تتبل.
أيضاً المكان بارد جداً ومظلم جداً، يحتاج إلى وسائل تدفئة ومنع الانقطاع الطويل في ساعات الكهرباء فهو مظلم.
أما في الصيف فمشكلة الحر مقدور عليها كونه قبو رحب، ولكن هناك مشكلة (الدود) الذي يسرح فيه، أيضاً وضع الفرش (الأثاث) هو أكثر من سيئ لا توجد كراسٍ مريحة للجلوس وخاصة للكبار من المتوحدين ولا توجد أي وسيلة راحة مثلاً وجود سريرين أو ثلاثة عندما نضطر لمعالجة موقف ما أو وضع مفاجئ ما يحصل مع أحدهم.
هناك أيضاً مشاكل في الصرف الصحي، ويطول الحديث في هذا المجال، من أهم وأبرز المشاكل التي نعاني منها رغم اتساع المبنى، هو عدم وجود ساحة أو فسحة سماوية للأولاد وهي مطلب أكثر من ملّح وضروري، لأن اللعب يقع في صميم البرنامج التربوي الفردي لكل طفل أو متوحد، وهنا أتوجه للجهات المعنية في النظر بحال جمعية التوحد التي تحتاج لمدّ يد العون لها إنسانياً ومعنوياً ومادياً، وهي التي مدّت يد العون للكثيرين الذين طلبوا منها المساعدة وخاصة عبر دورات وورشات التأهيل والتدريب للمتطوعين بأساسيات اضطراب التوحد، ولطّلاب الجامعات، خاصة الإرشاد النفسي وطلبة الماجستير في التمريض والصحة وإعطاء كل صاحب حاجة كل ما يلزمه في هذا الخصوص.
ومن موقعي في الجمعية وصاحبة تجربة كأمّ متوحد أناشد كل الجهات المسؤولة للوقوف إلى جانب الجمعية، ودعمها عن طريق كل المؤسسات والمنظمات التي يمكنها مدّ يد العون لنا وتقديم العديد من المساعدات التي بتكاتف الجميع يخففّ عبئها وتعود بالخير على هؤلاء الأطفال والشباب.
كانت لنا وقفة أيضاً مع السيدة مارينا سليم مسؤولة مشروع التأهيل المهني في الجمعية التي قالت: سأتكلم بلسان حال جميع الأمهات المتألمات والصامتات، لأن صرخات الألم والوجع والمعاناة التي صرخناها لم تصل إلى آذان أصحاب المسؤولية.
صرخنا لنحصل على مبنى دائم، وكان ذلك إلا أنّ هذا المبنى وللأسف غير صالح للعيش فيه و ما لم يخضع لعمليات تأهيل وصيانة، لأن الوضع الحالي أكثر من سيئ ومأساوي، ويمكن لأي زائر أن يدرك ذلك، من دون أي شرح.
هي دعوة للمسؤولين المختصين في هذا الشأن و إلى أصحاب القرار، ليروا بأم عينهم وجعنا كأمهات ووجع الأولاد والعاملين في الجمعية، ليعيشوا المعاناة معنا ولو لساعة، وليضع كل إنسان نفسه مكان أي أمّ أو أبّ أو معلمّ أو متطوعّ في الجمعية، فهل سيتحمل ما نتحمله؟.
الجمعية على صعوبة ظروفها كانت مبادرة بمدّ اليد للآخرين وأسست لكوادر وطنيّة مدّربة وبنية تحتية مؤهلة في هذا المجال، فلماذا لا يتم مساعدة الجمعية والأولاد؟ فهُم أيضاً أولادٌ لآباء يضحون في سبيل الوطن، فهذا ابن لجندي وهذا ابن لمدّرس وتلك ابنة لموّظف وأمهاتهم يضحّين في الداخل والخارج.
المتوّحدون أبناءٌ من هذا الوطن وهناك مجالات كثيرة للمساعدة وخاصة في جعل واقع المبنى أفضل، حتى أنه يمكن إيجاد فسحة سماوية تابعة للمبنى من خلال فتح حائط فيه باب وجعله باباً كبيراً يمكن الخروج منه إلى ساحة تخدم الأطفال وتجعلهم يرون النور.
يكفي الأولاد الظلام الذي يعيشون فيه، وهم ينتقلون من مبنى لمبنى، من بيتهم الأول المحاطون فيه بجدران مسدودة إلى مبنى الجمعية بحيطانه وجدرانه الرطبة الباردة.
وبالانتقال للحديث عن مشروع التأهيل المهني هو خطة مدروسة لتأهيل الفئات العمرية المختلفة من خلال الوسائل والألعاب ومن خلال ورشات عمل مهنية ليصبح الطفل أو الشاب قادراً على صنع إكسسوارات وأشغال يدوية صغيرة وبسيطة تعرض في معرض خاص ضمن المبنى، ولكن للأسف حتى معرض أشغال المتوحدين لم يلقَ دعماً ولا من أيّة جهة حكومية أو خاصة، كان يمكنها أن تعود ولو بمردود بسيط على الجمعية.
وكانت لنا وقفة مع م . مرح سلوم منسقة إدارية في الجمعية والتي قالت: أحببت أن أتطوّع للعمل في الجمعية, وفضلته على أي عمل أو وظيفة أخرى مع أن عروضاً كثيرة أتتني، لكنني كنت قريبة أكثر من جو الجمعية بسبب قرابتي للمدير التنفيذي للجمعية الأستاذ جبران خوندة واطّلعت على أجواء العمل فيها وجوها الذي جذبني واخترت العمل هنا بكلّ إرادتي، تستقبل الجمعية الأولاد كل يوم من الساعة 8 صباحاً -2 ظهراً صيفاً شتاءَ، والعطلة يومي الجمعة والسبت، وكل 4 شهور هناك عطلة لمدة أسبوع.
خدمات كثيرة ونشاطات تقوم بها جمعية التوّحد، من خلال كادر مؤهل ذي خبرة من الأشخاص الذين تتم تدريبهم في الجمعية وكانوا متطوعين في الأساس أيضاً، وتقوم الجمعية بالتدريب والدعم لجميع قاصديها من طلاب الجامعات وحتى الأمهات وكل تلك الخدمات مجاناً، وللجمعية خططها السنوية التشغيلية والتي توضع موضع التنفيذ والتطوير الدائم انطلاقاً من استراتيجيتها والأولويات التي اشتقّت منها، وتستمر بتأمين الرعاية التربوية والصحية والاجتماعية للمصابين باضطراب التوّحد, وتعمل مع الجهات المعنية لدمجهم في المجتمع ونشر الوعي من خلال حملات التوعية والندوات والمؤتمرات التخصصية بالتعاون مع الجامعات والمراكز الثقافية ووسائل الإعلام.
وهناك دائماً برامج تدريبية تربوية فردية لمعلمي الصفوف ولأهالي الطلاّب يتم تنظيمها ومناقشتها، وهناك الخدمات العلمية وورشات العمل لطلاب الجامعات على اختلاف ما يريدونه سواء للتطوع ام لدراساتهم وأبحاثهم.
ومن النشاطات المميزة للجمعية تنظيم المسير السنوي في اليوم العالمي للتوحد الذي يصادف في 2 نيسان من كلّ عام. إضافة إلى العديد من المعارض بمناسبات مختلفة ومشاركة الفنانين المهتمين كمناسبة يوم الإعاقة مثلاً، وفي مبنى الجمعية صالة كبيرة خصصّت للمعارض الفنية، والتي نتمنى ان تُستثمر بشكل أفضل, إذ يمكن أن تكون مصدر دخل مالي ولو بسيط للجمعيّة، سيّما وإن مصدر الدخل للجمعية هو من اشتراكات الطلاب حصرياً وهو غير كاف للقيام بعمليات الصيانة أو إدخال أيّة تحسينات على واقع المبنى السيء, وتقدّم الجمعية خدمات الكشف والتشخيص للاضطرابات النمائية العصبية وفق أحدث المستجدات العالمية, وتقوم بفحص دوري للطلاب كل أسبوع مرة من خلال الطبيب حسام درويش والطبيبة براءة سلوم المتطوعين داخل الجمعية, وتنسّق استمارة طبيّة خاصة بكل طالب، ويتم التواصل الدوي مع الأهالي من أجل حالة أبنائهم الصحيّة.
مهى الشريقي