ألوان لمتعة القــراءة عند الطّفـــل … الفنانة لينا نداف: اللوحــة واللــون بوّابتا الرحـلة إلى عوالــم أخـرى

العدد: 9503

الاربعاء:8-1-2020

 

 

عندما يتعلق الموضوع بالطفل، فإن أي عمل نقدمه له يتطلب جهداً إضافياً وخاصة في مجال الأدب والفن، فالطفل من أذكى الشرائح التي يجب أن يتم التعامل معها بكل الحرص والاهتمام والموضوعية بالإضافة إلى الكثير من الموهبة والإبداع واستخدام عناصر وعوامل الجذب الأخرى كالصور الملونة والرسومات المميزة والمحتوى المفيد، والغلاف المميز، كيف لا ؟ وهو صاحب النظرة الذواقة البعيدة عن الدراسة الأكاديمية والقريبة من الحس الجمالي الفطري، إنه يرتبط بالفن واللون والورق بعلاقة نقية بريئة، ولا ينال إعجابه إلا العمل الذي يتصف بالشمولية والتنوع بالدرجة الأولى ويلبي احتياجاته المعرفية والترفيهية معاً.
ولقاء (جريدة الوحدة) لهذا العدد مع فنانة مبدعة في العطاء اللامحدود لعالم الطفولة والتي تزين فضاءاته بكثير من الألوان بطريقة تفاعلية جذابة تحمل بين طياتها أساليب عميقة للتعبير واستثمار كل المهارات للوصول إلى الغاية المرجوة أو نستطيع القول أنها طريقة تسعى إلى اختزال حالات إنسانية ترقى فوق المشاعر وتلامس الوجدان والذات وهي في الوقت ذاته تجسد دعوة صادقة لتقديم أعمال هادفة وللوقوف بمسؤولية أمام مستقبل أطفالنا ليسيروا دائماً بثقة وأمان نحو الطريق الأفضل، إنها الفنانة التشكيلية لينا نداف الفائزة بالمركز الأول في المسابقة التي أقامتها وزارة الثقافة لجائزة ممتاز البحرة لفن اللوحة الموجَّهة للطفل لعام 2019… ومعها كان الحوار الآتي..
* بداية حبذا لو تعطينا لمحة عن بطاقتك الفنية؟
** لينا نداف رسامة متخصصة برسوم كتب وقصص الأطفال، خريجة كلية التربية لعام 2016 من جامعة تشرين وخريجة مركز الفنون التشكيلية باللاذقية لعام 2017، عضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين، شاركت بالعديد من الورشات منها (كيف نرسم كتاباً للطفل) بإشراف الفنانة لجينة الأصيل، كما شاركت بعدة معارض داخل وخارج سورية ومعرض الشارقة لرسوم كتب الأطفال، أرسم في مجلتي شامة وأسامة السوريتين ومجلات بدول عربية أخرى، رسمت أكثر من عشرين كتاباً للأطفال مع دور نشر سورية وعربية، ومنها كتاب (بلبل ليس ككل البلابل) الصادر عن دار الحدائق اللبنانية الذي اختارته (IBBY) الهيئة العالمية لكتب الأولاد لينضم للائحة كتبها، حاصلة على الجائزة الأولى بمسابقة ممتاز البحرة لفن اللوحة الموجهة للطفل لعام 2019.
* حدثينا عن فوزك بجائزة ممتاز البحرة لفن اللوحة الموجَّهة للطفل لعام 2019؟
** جائزة ممتاز البحرة والجوائز الثقافية بشكل عام والتي رعتها وزارة الثقافة هي خطوة مهمة نحو التطوير والحث على الإبداع ورفع الهمة بين المبدعين، وأنا سعيدة جداً بحصولي على جائزة تحمل اسم الفنان الكبير ممتاز البحرة، الفنان الذي تربت على رسوماته أجيال متتالية، والفنان الراحل ممتاز البحرة يستحق من الجهات الرسمية المعنية ومنا كل التكريم والتقدير لما تركته رسومه من أثر لا يمحى في قلوبنا وفي ذاكرتنا البصرية.

* تجربتك مع الرسم، متى بدأت وما الغاية من التوجه للأطفال؟
** تجربتي مع الرسم ظهرت منذ طفولتي الأولى وكانت مهارتي بالرسم أهم ما يميز شخصيتي في كل مراحل حياتي، وكنت أمارس هوايتي بتشجيع كبير من أهلي بشكل شبه يومي، ودرست الفن التشكيلي بشكل عام واطلعت على مختلف أساليبه ومدارسه، وأهم الفنانين العالميين وأعمالهم، لكن بعد أن عملت مع الأطفال بحكم دراستي للتربية، دخلت عالم الأطفال الساحر وبدأت ألواني وخطوطي تشبههم وتتشبه بهم، لكن الملهم الأكبر لاحترافي رسوم كتب الأطفال هو الفنانة لجينة الأصيل فقد كنت أتابع أعمالها بشغف وحب كبير وأحفظ لوحاتها المقصوصة من المجلات في ملف خاص وبعدها حالفني الحظ للقائها شخصياً في ورشة (كيف نرسم كتاباً للطفل) والتي أشرفت عليها الفنانة لجينة الأصيل وهذه الورشة كانت منعطفاً حقيقياً في حياتي الفنية.
* ما السبل للاهتمام بالمواهب المميزة على شتى أنواعها، وخاصة الرسم، التي نرى فيهم خامات فنية لها شأن في المستقبل؟
** الاهتمام بالمبدعين في كافة المجالات هو استثمار حقيقي مضمون النتائج، وبشأن المبدعين بالرسم بشكل خاص، لا بدّ من إخضاعهم لدورات تدريبية لورشات متكررة مع فنانين ومشاركتهم بالمسابقات والجوائز الفنية وتكليفهم بمهام تحفزهم وترفع من ثقتهم بنفسهم وتطور موهبتهم، كالمشاركة برسوم مجلتي شامة وأسامة أو حتى برسوم كتب الأطفال التي تصدر عن الهيئة السورية للكتاب.

* ما تقييمك للفعاليات الطفولية الأهلية والرسمية في اللاذقية واقتراحاتك لتطويرها؟
** نشهد اهتماماً متزايداً بالطفل وبتنمية مهاراته وقدراته بشل عام إن كان من جمعيات أهلية عديدة أو من مؤسسات الدولة ومنها جمعية المكتبة العمومية للأطفال التي تضم مجموعة كبيرة ومهمة من قصص وكتب الأطفال، وكان معرض كتاب الطفل الذي أقيم هذا العام بدورته الثانية فعالية هامة في جذب دور نشر مختصة بأدب الأطفال وتطوير علاقة الأطفال والأهالي بالكتاب والقراءة والتشجيع على اقتناء الكتاب.
* ما أهمية الفن بشكل عام والرسم بشكل خاص وتأثيره على الأطفال ؟
** الفنون بكل مجالاتها تنمي الحس الجمالي عند الإنسان، وهذه الحساسية للجمال تنعكس على مختلف جوانب حياته وطريقة تعامله مع العالم الخارجي إن كان البيئة المادية أو البيئة الاجتماعية، والفنون تسهم في تنشئة إنسان سليم نفسياً وكذلك تنمي جميع جوانب الإبداع لديه وتجعله أقدر على حل مشكلاته.
* ما مقترحاتكم لزيادة الاهتمام بالفنون عامة والرسم خاصة في مدارسنا؟
** بالرغم من أن جميع الأطفال يحبون النشاطات الفنية بأنواعها إلا أن واقع الاهتمام بمادة الرسم والأشغال بمدارسنا متدني جداً – برأيي – وأتمنى من الوزارة العمل بشكل جدي لتفعيل هذه المادة في مدارسنا من خلال تشجيع المعلمين ومتابعتهم وتوفير الوسائل والأدوات.
* ما المعايير التي يتم من خلالها انتقاء الرسومات الخاصة بمجلات الأطفال والمرافقة للقصص الموجهة للطفل؟
** المعيار الأول هو القيمة الفنية للوحة، فاللوحة المقدمة للطفل ليست مجرد ألوان زاهية وخطوط بسيطة متحركة، اللوحة المقدمة للطفل لا تختلف عن اللوحة المقدمة للكبار من حيث القيمة الفنية والجمالية، وبعدها تأتي عدة معايير أخرى كمناسبة الرسوم للنص وللفئة العمرية التي تحاكيها القصة وتوزيع العناصر بالنسبة للنص والجدّة والأصالة في اللوحة.
* كيف يمكننا إعادة أواصر الصداقة بين الطفل ومجلته في عالم باتت التكنولوجيا الرقمية تشكل عصبه الأساسي في جميع المجالات؟ وما هي عوامل الجذب في ذلك؟
** الإنسان بشكل عام والطفل بشكل خاص ينجذب للصورة، فمجلات الأطفال تبقى محبوبة الأطفال مهما تعلقوا بالوسائل التكنولوجية الحديثة، لذلك يلعب الأهل الدور الأكبر في تنمية علاقة طفلهم مع الكتاب من خلال توفيره لأطفالهم والحوار معهم ومشاركتهم بالقراءة.
* تقولين: (في بداية الطريق أنت بحاجة لمعلم صادق عارف معطاء وحقيقي) ماذا تعلمتم من جيل الرواد في فن اللوحة الموجهة للطفل؟
** نحن محظوظون في سورية بأسماء كبيرة لفنانين قدموا لكتب الأطفال ومجلاتهم بكل حب وصدق وخاصة من خلال مجلة أسامة منذ أعدادها الأولى ومنهم الفنان نذير نبعة وغسان السباعي وممتاز البحرة .. وبالتأكيد الفنانة لجينة الأصيل التي كان لها الأثر الواضح ليس فقط من خلال رسومها في الكثير من الكتب العربية والعالمية بل والأهم من خلال تبنيها وتدريبها للفنانين الشباب من خلال ورشات متخصصة لتنقل لهم من خبرتها وشغفها وتجاربها عبر سنوات طويلة، والمتابع لهذا المجال يلاحظ بسهولة التزايد الكبير في عدد الفنانين الشباب المشتغلين برسوم كتب الأطفال وحتى ارتفاع مستوى هذه الرسوم بعد أن مرت بفترة انحدار.
* كلمة أخيرة؟
** أتمنى تضافر جهود الجميع لنرقى بعالم الطفل والوصول به إلى درجات المعرفة والتخيل لنكون الزاد والمنبع الذي يسهم في إثراء خيال أطفالنا عن طريق الفن الذي سيزداد ثراء في أفقهم من خلال الألوان والمشهد المناسب لمدركاتهم الحسية والوجدانية، مما يجعل مساحة الحب والعاطفة والثقافة تتسع في عالمهم الصغير، وكلنا يتوق إلى اللحظة التي نكون فيها قُادرين على الإبداع في مجال مجلات الأطفال وأكثر من أي وقت مضى، فالحرب على الرغم من صورتها السلبية إلا أنّها دفعتنا إلى تقديم أجمل ما عندنا، لبناء مستقبل جميل، وملون بأجمل ألوان الطيف لأطفال الوطن الغالي.
ونحن بدورنا نقول: لحظات الإبداع تتجلى بأحلى صورها عند من يملكون روح النقاء والصفاء ويتوجهون بكل حواسهم لتوظيف هذا الإطار في عالم الطفولة – عالم الأحاسيس الشفافة والصادقة – فالفنانة المبدعة لينا نداف تحرص بكل صدق على أن تتوفر في رسوماتها اللوحة الموحية البعيدة الهدف، التي تلقي وراءها ظلالاً وألواناً، وتترك أثراً عميقاً في النفس، فلنحرص جميعاً على ربيع حياتهم ولنلون أيامهم كي يبقوا سبيلاً للفرح في أيامنا على الدوام وبذلك نكون قد حققنا الجانب المرجو من مهامنا المتمثلة في الحرص والسعي الدائم لتفريغ طاقات أطفالنا في أمور إيجابية ومثمرة.

فدوى مقوص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار