بالمجدِ والكرامة كللهـُما

العـــــدد 9498

الإثنين 30 كانون الأول 2019

ينظرُ إليها، يضحك، مرّ العمرُ سريعاً (يا صغيرة)، قاطراتُ الزمن، كعادتِها، تأخذ الجميعَ، تجرفهم إلى البعيد، مرغمين، البارحة، ربّما أولَ البارحة، كانت تلعب، بفستانها الملوّن، كربيع عمرها الطفولي، تركضُ خلفَ الموج، فوقَ الرمل، تجمعُ أصدافَ البحر، وزبدَ الضحكات، تحلُم، تحلم، والحلمُ كان صغيراً وشاملاً (عظيماً).. سألتها المذيعة أمامَ الكاميرا، ولم تكملْ حينها الخامسة، وكانت تحضر مع شقيقتها مسرحية للأطفال، (حبيبي شوْ حابة تصيريْ لما تكبريْ؟) أجابتها: آنسة.. وتدرّجت الطفلة، وتفوّقت، وخَطتْ خطواتِها، واثقة، نحو حلمها، الذي تحقق، هي ذاتها (الآن)، تلك الطفلة، التي كانت (طفلة)، شبّتْ، وصارت عروساً، وبعين الوالد الذي رافقها أياماً وليالي وفصولاً، وأحلاماً وخيالاتٍ، تلتقط العالمَ باندهاش، ينظرُ إليها، مُنهمكة، تلملمُ ثيابَها، فساتينها، أشياءَها الصغيرات وأحلامَ طفولتها، تجمعها في حقائب، الوُجهة: عالمٌ آخر، حياةٌ أخرى، سعادةٌ أخرى مُنتظرة، مشروعُ عمر قادم آخر، تأمل بقرارةِ روحها، أنْ يكونَ الأبهى، والأحلى، تابعها، بحبٍّ وصمتٍ وحزن جميل، ودفقةِ وجدٍ غالية، مسحَ غرفتها، بعينٍ صامتة، في مشهدٍ صامت، سطوحُ ذاكرتِهِ التمعتْ على ضفافِ محطاتٍ، فيها بهاءُ القصائد، وفيها روحٌ شكلتْ روحاً، وهي (الآنَ) تنفصل، لتتشكلَ منها أطيافٌ، لضحكاتِ أطفالٍ جُددٍ، قادمين ليكملوا لوحة الحياة، لمسَ وسادتها، ودُمَاها التي ما تركتْ أو غادرتْ سريرَها يوماً، مرّرَ كفه على أبوابِ خزانتها، رفوفَ مكتبتها، خلتْ من موجوداتِها، التي تجمعّتْ في حقائبَ، ستنتقل مع (جهاز العروس)، تساءَلَ: هل شفافية القلب والحنان، وأطيافُ الدمع، هي حكراً على أفئدةِ الأمهات؟ أرادَ أنْ يجمعَ كلَّ فلسفاتِ العالم والحكم والأمثال والنصائح والإرشادات الأبوية، لكي يقدّمها لها على طبق من حكمةٍ وتأمّل وفرح، تمنّى أنْ تأتي روحُ طاغور، تعبُر شبابيك روحها ونفسها، المشرعة على المدى الأجمل، لتهمسَ في أذنيها وروحها كلماتٍ، عن السلام الروحي والتواضع، والمحبة، والاحترام، واكتساب الناس من خلال الابتسامة الصادقة، النابعة من القلب، التي تأسر الآخرين، وعن الكلمة الطيبة، والنفس السمحة، المتسامحة المترفعة عن الصغائر، التي لا تليق بالنفوس الحالمة الصافية، وهي تحمل في جَنباتِها شفافية الملائكة، هل كان سيقول لها، هذا الفيلسوف المحلق، أنها أخذتْ، كما كل فتاة حالمة (من القمر استدارته، ومن الشمس وهجها، ومن النهر هدوءَه، ومن النسيم رقته ورخاءَه، ومن الأغصان تمايلها ..) أمْ يقول لها: (إننا نعيش في هذا العالم حين نحبُّه.. والغاية في الحب ليس الألم أو الفرح ولكن الحب بذاتِهِ.. ونحن ندنو من العظمة، بقدر ما ندنو من التواضع.. وفي ابتسامة الأنثى عظمة الحياة وجمالها..) غداً وأمامَ الهيكل، (يا قطعةً من روح)، سترتلُ العصافيرُ وخيوطُ المطر والحياة نشيدَها، على مرّ الدهور: (بالمجدِ والكرامة كللهُما).. غداً سيكون غداً آخر، صامتاً، بيده يُقلبُ ألبوماتِ صور، كنتِ فيها زهرة الروح الأنقى والأرهف..

جورج ابراهيم شويط 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار