تعمـــل.. ولــــو في «فــــرم البقـــــدونس»!

العدد: 9482

الأربعاء:4-12-2019

 

 

لم تعد نساؤنا تستطيب الجلوس في بيوت خاوية عروشها وجرارها من زيوت العيش وأوراق النقود، وترفض أبداً أن تكون أرائكها فارغة واهية من الأحلام والآمال، وبين حجري رحى الزمان تطحن صور حكاياتها، سندريلا هي في هذه الأيام الجائرة، تجري بمهب سبل عيشها ومناكب رزقها ولو دارت في فناء معبدها ورفعت صلواتها وتراتيلها باستجداء، فلا يضرنها أن تكون بجانب أطفالها بألعاب.

*سلمى فندي، أشارت بأنها لم تفز يوماً بشهادات علمية ولا جامعية، فكانت أن تزوجت لتكون سيدة بيتها، ورزقت بثلاثة أولاد لتعيش بيسر مع رجلها الذي فتح باب رزقه من دكان لبيع الفاكهة والخضار، إلا أن الدنيا ضيقت عليها في سنوات هذه الحرب البغيضة وجعلت عائلتها في مطالب واحتياجات، فما كان منها إلا أن ضربت يديها في كيس الخفاء والحيل لتجد بينها بعض التدبير والتفريج بأدواتها وسكاكينها التي أتت بها على تقطيع الفاصولياء وغيرها من الخضار وفرم البقدونس وطحن البندورة وتغليفها بالنايلون، وهي جالسة تتسلى مع الجارات أو الأولاد، ثم عرضها في الدكان لتأخذها كل سيدة تحتاج لطبخة سريعة وهي عائدة من عملها ووظيفتها، حتى أنها تلم ما بقي من الخضار وما ذبل منها وبقي فلا يكون فيه الخسارة والضياع، إذ تأخذ البندورة والفليفلة وغيرها لعصرها وتجفيفها وبيعها في الدكان، وكل ذلك أتى بالفرج والحمد لله .

*أم نغم، زوجها كسول ويشرب الكحول ولا عمل عنده فلا يستيقظ إلا بعد أن ينقضي النهار، وقد كثرت الخلافات بينهما، وابنتاهما تعيشان معهما الحسرة وقلة الحيل، وكلما طالبته أن يذهب للعمل مع جيرانه في قطف الليمون وجني الزيتون وغيرها من المحاصيل يدعي المرض والتعب ويرفع صوته (بيكفيه) ما عاناه، فتقوم هي وتجري لمشغل في قريتها فقد تعلمت الخياطة من أمها يوم كانت صبية ولم تدر يوماً أنها ستحتاج للعمل، فقد كان زوجها يعمل بالبناء وتركه بعد أن أصابه (الديسك) وبالحال أخذت مكانها وسلمت الماكينة والقماش، لكن المسكينة ظنها خاب عندما وجدت صاحب العمل يوبخ ويتوعد العاملات بلسانه المتسلط الذي يرميهن بالمسبات والإهانات، فتركت عملها وأخذت قرضاً من التنمية الزراعية لتشتري ماكينة خياطة وتجلس في بيتها (معززة مكرمة) وبين ولديها تلبي لهم الحاجات وتقوم بالواجبات، كما تستقبل زبوناتها من بنات القرية وسيداتها لتخيط لهن ما يرغبن وما يأتين به للتصليح والتهذيب، والحمد لله (ساترها) ولأجل عيون (نغم وشام) كل شيء يهون.
*السيدة هناء في الأربعين من العمر تقول: هوايتي الطبخ ولي مزاج فيه، وأصنع دبس الرمان وخلّ التفاح والمكوس والمخللات، وفكرت باستغلال هوايتي وتحويلها لعمل وكسب معيشي بعد أن ضاقت بنا الدنيا كما كل الناس، بدأت الشغل بكميات قليلة خوفاً من الكساد وعدم قدرتي على السوق والتصريف وليس بي نشر وإعلان ولم يكن أحد يعلم بأمري، لهذا كنت أعد مشغولاتي وأهديها لجاراتي والأصحاب بغية إعلامهن بالأمر، وما إن يبدين إعجابهن بها حتى أخبرهن بأنه يمكنني صنعها وبيعها لمن يريد، وبهذه الطريقة كانت أولى خطواتي في العمل، وقد ازداد الطلب علي وانهال ولم أعد أستطيع أن ألحق به لوحدي وبات زوجي عندما يرجع من عمله يساعدني، ليكون ببضاعتي بعض العيش والهناء.
*السيدة لما خضور تشير بأنها تصنع بعض الحلويات والمعجنات وتبيعها من دارها بعد طلب سجل بقائمة وحسابات، تقول: يأتي ابني سامر الذي هو في الصف العاشر من مدرسته لأرسله سريعاً ليوصل الطلبات لأصحابها فزوجي متوفٍ منذ أعوام ولم أكن بهذه الحال، لكن الزمان جار علينا كما كل الناس، لدي ثلاثة أولاد في المدارس، وكل الذي ورثناه قد بعته ولم يبق لي غير العمل لتلبية طلبات الأولاد وبعض العيش، وقد زاد الطلب على نكهاتي والإقبال عليها، فطعمها لذيذ ويختلف بنيانها عما يطرح بالسوق، لقد أمنت لنفسي مكانة وعمل بكل ثقة واطمئنان، ويسرت لعائلتي حياة هانئة إلى أن يكبروا ويصبحوا قادرين على إعالة أنفسهم، أعمل برقابة داخلية من ضميري وبحرية داخل جدران بيتي وبين أولادي ليكونوا بطمأنينة واستقرار فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
*السيدة ليمار، تعلمت شك الخرز ونسج الصوف من دورات مجانية في الجمعيات الأهلية، ولم تقرأ وتصل لدرجات كما بنات الجيران والأقرباء، فما كان منها غير أن أبدعت بصنع مشغولاتها التي أثارت الإعجاب ليكون الطلب عليها والإقبال، وهي اليوم منتجة وعاملة داخل حيطان بيت أهلها الذين يساعدونها في الترويج لبضاعتها على النت وبين الأصدقاء، وقد زاد عليها ضغط الشغل ولم تعد تلحق به لتسأل والدتها أن تساعدها في بعض الأحيان، حتى أنها تنال في مردودها الكثير والذي عنها يفيض ويتجاوز ما تكسبه أية فتاة من وظيفتها، والحمد لله ميسورة وأهلها مبسوطين منها.

هدى سلوم- معينة جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار