انقــذوا عروس المتوســــط قبل فــوات الأوان

العـــــدد 9470

الإثنين 18 تشرين الثاني 2019

في زمن كثر فيه التنظير والاكتفاء بالكلام والانتقاد وقل الفعل والعمل للتقليل من السلبيات واستبدالها بما هو إيجابي ونافع لفتت الانتباه مبادرة مواطن سوري مغترب قرن القول بالفعل أثناء زيارة قصيرة لوطنه ومحافظته وهو المعروف بالأيادي البيضاء والمبادرات الجميلة بدءاً من قريته بسين في ريف القرداحة إلى أي مكان يتواجد فيه إنه المغترب الأكاديمي والكاتب والخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم محمد الذي لم يتحمل منظر القمامة المتراكمة في مدينته اللاذقية وبدأ بنفسه بوضع أكوام النفايات داخل الحاويات وتنظيف المكان.
تواصلنا مع الدكتور إبراهيم الذي أخذته الغيرة على جمال ونظافة المدينة ومحيطها وسألناه ماهي الرسالة الموجهة من خلال مبادرته وقد أجابنا مشكوراً:
عندما أسافر إلى اللاذقية أحب المشي والتنزه فيها، غير أنني في هذه الزيارة صدمت من تراكم الزبالة والأوساخ وانتشارها في شوارعها، ومن خلال الحديث مع الناس وصلت إلى قناعة بأن مواقفهم وسلوكهم جزء من المشكلة، وأقصد بذلك أولئك الذين ينتقدون ويتذمرون من الوضع، لكنهم أنفسهم يلقون القمامة في الشارع وأمام المحلات وحتى حول بيوتهم، وهو أمر ينم عن استهتار بصحة الجميع بما في ذلك صحتهم، لاسيما وأن هناك علاقة وثيقة بين انتشار أمراض السرطان واللشمانيا وأمراض الكبد وغيرها وتراكم المخلفات البلاستيكية، ناهيك عن أن هذه المخلفات تلوث بيئتنا ومياه الشرب والتربة التي تمدنا بالخضار والفواكه والحبوب، وعليه فإن من يرمي الأوساخ بهذا الشكل كمن يحفر قبره بيده.

على ضوء ذلك وعلى ضوء السلبية التي لا تطاق من قبل سكان المدينة إزاء ما يجري فيها على صعيد تراكم الزبالة جاءت مبادرتي العفوية بالنزول إلى الشارع لتنظيف حاويات القمامة التي تقع في حي الزراعة مقابل مدخل المدينة الجامعية حيث آلاف الطلاب يمرون يومياً ولا حياة لمن تنادي، أردت بمبادرتي هذه أن أوجه صرخة ونداء إلى أصحاب الضمير الحي من طلاب ومسؤولين والسكان بغية إيقاظهم قبل حلول الكارثة وانتشار الأوبئة بفضل الحشرات والقوارض والروائح واللشمانيا وغيرها، أردت أن أقول لهم انقذوا (عروس المتوسط) قبل فوات الأوان. وتساءلت كثيراً أين المشكلة؟
المشكلة معقدة غير أن من أبرز وجوهها أن الناس في اللاذقية تشتكي من نقص الحاويات وسلات الزبالة وهذه الشكوى محقة كونها حقيقة واقعة، كما أن عمال البلدية يظهرون في أحد الأيام في شارع ما لتنظيفه، ثم يختفون أياماً قبل أن يعودوا إليه ليجدوا أكوام القمامة بانتظارهم، البلدية مقصرة في أكثر من وجه، لكن لماذا يرمي الناس زبالتهم بجانب الحاويات المتوفرة بدلاً من رميها داخل الحاويات وحاويات القمامة المتوفرة كما هو عليه الحال في حي الزراعة، هنا لا بد من غرامات وعقوبات رادعة، لأن الشارع ليس ملكاً شخصياً، أما الحجة في أن البلدية مسؤولة عن ذلك فمردود عليها، لأن جمع القمامة من درج الأبنية ومداخلها ومن أمام المحلات والبيوت ليست من مهمات البلدية، وحين سألته هل من حل برأيك أجاب:
الحل بالطبع لا يأتي بين يوم وليلة، لكن لا بد من بداية، لا بد من مبادرات ولو كانت متواضعة بهدف إثارة النخوة لدى الغيورين على مدينتهم، وهنا أود القول لكل ساكن في اللاذقية أن المواطنة ليست فقط بالكلام والانتقادات وشرب الشيشة ونظم الأشعارـ بل أيضاً بالنزول إلى الشارع لعمل شيء فعلي إذا كان الأمر يتعلق بمصير مدينة وبيئة تشكل مصدر حياتنا، هنا لا ينبغي علينا انتظار البلدية ولا أحد لمنع الكارثة، لاسيما في هذا الظروف الصعبة على جميع السوريين.
على الجميع دعم بلديتهم وبالطبع استمرار توجيه الانتقادات لتقصيرها ومطالبتها بالشفافية في عملها والكشف عن أسباب هذا التقصير دون أي تردد، إلى جانب ضرورة إلزام الناس بعدم رمي القمامة في الأماكن العامة لاحظت خلال زيارتي أن هناك فقراء يفرزون الزبالة في الحاويات وحولها بهدف أخذ بعض المنتجات البلاستكية منها بهدف بيعها، وخلال ذلك يقومون بفتح أكياس القمامة وفلشها بشكل يجعل المحتوى ينتشر حول الحاويات، هؤلاء يشكلون جزءاً من المشكلة ولا بد من إيجاد حل يلزمهم بإعادة الأكياس التي ينبشونها إلى الحاويات مغلقة كما كانت. بالطبع هؤلاء الفقراء هم بنفس الوقت جزءاً من الحل في حال قاموا بذلك وكونهم يقللون من حجم القمامة بفصل البلاستيك الذي يأخذونه بهدف إعادة تدويره وتصنيع منتجات جديدة منه.

هذا على المدى القصير، اما على المديين المتوسط والطويل فيجب على البلدية توفير العدد الكافي من الحاويات وسلل الزبالة في كل أنحاء المدينة، كما ينبغي عليها تفعيل دور عمال النظافة والسيارات التي تقوم بترحيلها، ومن الأفضل توفير حاويات لها أغطية كي لا تنتشر الروائح والحشرات، وفي مكبات القمامة الرئيسية لا بد من ورشات تقوم بفرز القمامة كونها مصدر ثروات هامة، فمن فضلات الأغذية على سبيل المثال يمكن عمل أسمدة طبيعية لتسميد التربة الزراعية، ويمكن إعادة تصنيع مخلفات البلاستيك لأغراض متعددة، أما المخلفات الأخرى فيمكن استخلاص المعادن والجبس منها بكميات تجارية وتغني عن العملات الصعبة والاستيراد من الخارج.
وهنا سألته هل لمست حلولاً واستجابة لصرختك ومبادرتك؟ فأجاب:
بعد أيام على قيامي بمبادرتي قرأت بسعادة بالغة أن السيد محافظ اللاذقية إبراهيم خضر السالم وجه بمعالجة الوضع، كما تواصل معي بعض الأصدقاء مؤكدين عزم مجلس المدينة على عمل شيء إيجابي في هذا المجال، هذا وتصلني مؤخراً أخبار عن مبادرات طلابية متواضعة وأنا في غاية السعادة لذلك، وستكتمل سعادتي عند ما يكون هناك حل مستدام وليس مجرد استجابة مؤقته ولفترة معينة وينتهي الأمر، الحل يحتاج إلى رقابة وشفافية في عمل جميع الجهات المسؤولة مع تطبيق القوانين الصحية والبيئية الرادعة مع التأكيد على دور الأهالي والجمعيات والمبادرات الأهلية في دعم البلديات وعمال النظافة ومساعدتهم في إعادة اللاذقية إلى رونقها كواحدة من أنظف مدن المتوسط.

سناء ديب

تصفح المزيد..
آخر الأخبار