العـــــدد 9467
الأربعـــــاء 13 تشرين الثاني 2019
يعلم السوريون بأن بلادهم هي ضرورة حتمية لا يمكن القفز من فوقها لصناعة الاستقرار، وبأن وحدة تراب بلدهم واستعادة الأراضي المغتصبة والمسلوبة لن تتم إلا بجهودهم وقوتهم واستراتيجيتهم الرافضة لأي مجال للمساومة أو الجدال إضافة إلى معرفتهم الدقيقة بكذبة الديمقراطية التي تتغنى وتنادي بها القوى العالمية، وقد عرف تاريخ الماضي بأن الكثير من السوريين تركوا بصماتهم على حركة التاريخ وفي سجل العالم ولم يكونوا في يوم من الأيام على هامش التاريخ فقد كانوا أول وأفضل من نقل المعرفة والأبجدية والغذاء والكساء بين أرجاء المعمورة كما نقلوا للإنسانية جمعاء الأديان السماوية التي تدعو إلى التعايش المشترك بين أفرادها والمشاركة في البناء الحضاري للبشرية.
يتوجب على عموم الأجيال القادمة التي ستعيش على أرض الأجداد الموروثة والمبنية بالجهد والكفاح والمروية بالدماء الزكية الطاهرة تحمل المسؤولية بالحفاظ على الأمانة الوطنية وإعمار وتطوير بناء الوطن الحضاري، ولمن سيأتي على هذه الأرض الطاهرة والطيبة والمعطاءة فعليه الصحوة لأن فيها مستوى الوطن الفكري الذي سيتمكن من خلاله إبداع معرفة قادرة على ابتكار ووضع حلول مناسبة لتطوير واستمرار الوطن بين مختلف الأمم والأوطان على مر العصور في نظام عالمي غير مستقر ومبني على المصلحة وأهواء الدول الكبرى كما يبوح التاريخ مصرحاً.
يحتاج عنصر الإبداع إلى حرية الفكر مثل احتياجه إلى التمويل المادي اللازم لإتمام عملية الإبداع التكنولوجي لأنه يستحيل على الفرد الإنتاج المعرفي أو المادي والوصول إلى أعلى قمة الإبداع بدون حرية وبما أن الوطن هو الذي يؤمن للمبدع حريته فسيظل إذاً ذلك المبدع دائم الانتماء إلى وطنه الذي يلهمه روح الإبداع، إضافة إلى أن الانتماء يمنح السيادة والقوة والحرية.
إن الإبداع في الحب هو منتهى العطاء بلا كلل أو ملل وهو التجدد والحداثة والعمل من خلال مبدأ روح الفريق الواحد والتمرد على الأنانية القاتلة، وكذلك محبة شركاء الأرض الطيبة والوطن المنيع صغيرهم وكبيرهم.
يتطور الوطن وترتفع رايته عالياً وتبقى بصمة أعمال أجياله مستمرة عبر التاريخ بثلاثية الحداثة: البحث العلمي – الإبداع التكنولوجي – حماية البيئة، ومن الضروري المشاركة في تنمية إدراك أفراد المجتمع ليتمكنوا من تحديد حالة المجتمع الراهنة واستقراء معطيات المستقبل عن طريق التنبؤ بأحداثه إلى أن يرث الله الأرض و من عليها، و بناءً عليه يمكن التخطيط لمستقبل أجيال الوطن القادمة بتنظيف البيئة الاجتماعية والطبيعية تنظيفاً هادفاً ودقيقاً و إخراج كافة الملوثات المختلفة منها.
من الضروري مواجهة التحديات بحكمة ورباطة جأش من خلال القدرة على التقييم والتخطيط والتشغيل والتنفيذ والتطوير لأن ذلك يخلق منطقياً لدى شباب الوطن شعوراً متسامياً بقبول التحدي المتمثل بمقولة (إما نكون أو لا نكون) بغية الحفاظ على وجود الوطن ووحدة ترابه واستقلالية قراره وهذا هو قمة الانتماء، ولعل منطق التحدي لا يعني العشوائية في المجابهة بل يتم عن طريق إدارة متميزة وقادرة على التعامل مع تحديات العصر التي تواجه الوطن في بقاء وجوده وغنى تراثه بين مختلف الأمم ضمن النظام العالمي الدائم التغير بفعل ديمومة تفاعل مكوناته، وهذا النظام أيضاً سريع التحول بصورة منتظمة ليتسنى للمرء مواكبة أحداثه كونه حيوي ومفعم بالحياة ولا ينتهي إلا بانتهاء حركته.
د. بشار عيسى