مـــــدح طفـــلك.. ســـلاح ذو حــــدين

العـــــدد 9465

الإثنين 11 تشرين الثاني 2019

من الصعب أن يقتنع الأهل بأنّ كلمات الثناء والمديح التي يُفترض أن تفرح الطفل وتشعره بالفخر وتعزز ثقته بذاته يمكن أن تسهم في إيذائه أو في القضاء على مستقبله..
لا أحد ينكر أهمية بناء ثقة الطفل بذاته أو تقديره لها ودور هذه المسألة في عملية نموه الطبيعي والسليم إذ أنّ هناك أطفالاً يعانون مشكلة مع الذات يميلون إلى الإصابة بالانهيار والكآبة والقلق إضافة إلى معاناتهم اضطرابات الأكل، وأحياناً قد يلجؤون إلى الانعزال عن محيطهم ورفض الانخراط في الأنشطة الرياضية الترفيهية التي يحبونها.

لكن يعتقد عدد كبير من الخبراء أنّ التشديد كثيراً على عملية تقدير الذات ربما يكون له جانب سلبي نتيجة لجوء العديد من الآباء إلى الإفراط في مدح أطفالهم على أدنى عمل يقومون به بدلاً من مساعدتهم في بناء ثقتهم بالذات استناداً إلى مهاراتهم الشخصية.
ثمة من يعتقد أنه إذا لم يمدح طفله بمعدل خمس مرات في اليوم، فإنه سوف يسبب له الأذى المعنوي وبالفعل إنّ كثيراً من الأمهات والآباء قد تخطوا حدودهم من خلال تحويل أطفالهم إلى عباقرة زمانهم لمجرد أنهم لفظوا كلمة (با) أو صفقوا بأيديهم أو خطو خطوتين سريعتين.
من المهم جداً استخدام المديح والثناء بشكل معتدل لكل شيء في هذه الحياة وإلا نشأ الطفل على فكرة أنّ المدح والثناء أمران ضروريان لتأكيد وجوده وسوف يشعر دوماً بنقص ما في حال لم يثنِ أحدهم على عمل قام به وقد ينتقل الأمر معه إلى مرحلة البلوغ والرشد وهناك سوف يواجه مشكلات كثيرة حتماً.
يحتاج الطفل إلى أن يعرف أنه محبوب وموضع تقدير من قبل الآخرين إلاّ أنّ هذه الأمور يجب ألا تنحصر في الأهل فقط وتقديرهم له.
إنّ الطفل السعيد الذي ينجح في حياته يتمتع بحماسة لا توصف حيال بذل أفضل ما عنده ما يزيد في شعوره بالفخر لأنّ مدح الطفل بهدف تشجيعه فقط يمكن أن يكون له تأثير معاكس وإنّ الأطفال الذين تمّ الثناء عليهم اختاروا لاحقاً القيام بأعمال بسيطة تظهرهم كجيدين وكأنهم ميّالون أكثر إلى الابتعاد عن الأعمال التي تتطلب تحدياً وجهداً وكأنّ عدد منهم يعاني قلة الثقة بالنفس وفقدان الاهتمام بالأنشطة التي تعرض عليهم وفي المقابل سعى الأطفال الذين تلقوا مديحاً على الجهود التي بذلوها وأتبعوها في إتمام مهماتهم وإلى اختيار مهمات أكثر صعوبة وأكثر تحدياً.
وقد يمارس الأهل من غير قصد ومن خلال إرسال رسالة غير مباشرة مفادها أنه مطلوب منهم دائماً القيام بأعمال تستحق المدح وإلا خذلوا أهاليهم.. هذا التصرف يؤثر على الأطفال ويجعلهم قلقين حيال أدائهم.
إضافة إلى ذلك يعي الطفل في قرارة نفسه مدى الجهد الذي يبذله للقيام بعمل ما فإذا تلقى مديحاً لا يستحقه تبدأ الشكوك مساورته ويميل إلى الاعتقاد بأنه لا يمتلك مهارات وقدرات قوية وأنّ عملية الإصرار والضغط على الطفل في عملية بناء ثقته وتقدير ذاته يمكن أن يؤديا به إلى القيام بتصرفات خطيرة ذاك الذي يمارس إرهابه على زملاء صفه يتمتع بثقة كبيرة في ذاته تتخطى الحدود المنطقية وأن بعض مدمني المخدرات والكحول عانوا في صغرهم مشكلة إفراط أهلهم في مدحهم فلجأوا في مرحلة الرشد إلى تلك المواد الضارة للتعويض عن غياب المديح والثناء من حياتهم أو لأنهم لم يتعلموا كيفية تقبل الانتقادات البسيطة أو التعامل معها ما خلق لديهم حاجة إلى الشعور بأنهم في أحسن حالاتهم.
الدعم الإيجابي: لا يعني هذا الأمر أنه يجب عدم مدح طفلك نهائياً أو السعي إلى مضايقته وإسماعه كلاماً قاسياً.
في محاولة لتقوية شخصيته لكي يتمكن من مواجهة صعوبات الحياة في المستقبل، إنّ أفضل طريقة لمساعدة الطفل في بناء ثقته بذاته هي مراقبته وليكن المديح واضح الهدف ومن المهم جداً أن تعطي أهمية لكلمات الثناء من خلال تحديد الفعل الذي استحق المديح.
التركيز على الجهد المبذول بدلاً من النتيجة كأسلوبه ومهاراته في تأدية مهمته أو في حل المشكلة التي يواجهها كي لا يشك في قدراته في حال فشل يوماً ما في الحصول على نتيجة مرضية والحرص على مدح طفلك على الأفعال التي تستحق المديح وليس على المهمات السهلة أو تلك التي أتمها على عجلة من أمره ولا تترددي إذا شعرت بأنه كان في مقدوره إعطاء نتيجة أفضل في إعلامه مثلاً إنه كان في إمكانه أن يبذل جهداً إضافياً وأن تتقبلي الأخطاء.
يحتاج الطفل إلى معرفة أن حبك له لا يترتب أو يعتمد على نتيجة أعماله ونجاحه الدائم في كل شيء وفي كل الأوقات ، لا توبخيه مثلاً بل تحدثي إليه عن كيفية معالجته هذه الأمور وتنمية قدراته ليتمكن لاحقاً من المنافسة في معترك الحياة الحقيقية.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار