العـــــدد 9461
الإثنين 4 تشرين الثاني 2019
إن تطور المنظومة المجتمعية والثقافية والقانونية والإنسانية، ووصول المرأة لأعلى المراتب والمناصب واستلامها الحقائب الوظيفية والوزارية وتحقيقها المكتسبات واستحقاقها للمساواة كانت سبباً في انخفاض ضحايا جرائم الشرف في بلدنا، لتكون مشاهدها غريبة ولا نسمع عنها إلا القليل.
المنظمات الحقوقية أطلقت عام 2009 اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا الشرف في 29تشرين الأول، والذي يهدف إلى دعم النساء المتضررات مما يسمى جرائم الشرف بكل أشكالها، وإيصال صوتهن إلى العالم، وقد وثقّت الأمم المتحدة في تقريرها السنوي المتعلق بالجريمة لعام 2018 أن أكثر من نصف ضحايا جرائم القتل من النساء قتلن على يد شركاء أو أقارب ومن بين حوالي 87000 امرأة وقعن ضحايا للقتل العمد العام الماضي في جميع أنحاء العالم، قتل منهن حوالي 34% على يد شريك أو قريب أعلى في بلدان أفريقيا تليها الأمريكيتان وكانت الأقل أوروبا، وأشارت تقارير لجنة الأمم المتحدة إلى أن جرائم الشرف تقع في مصر، الهند، فلسطين، إيطاليا، الأردن، باكستان، المغرب، السويد، تركيا، أوغندا، العراق، إيران، أفغانستان.
تأخذ جرائم الشرف أسماء مختلفة مثل الهند تسمى (جرائم المهر) وفي أمريكا الجنوبية (جرائم العاطفة) ولها أفكار مماثلة من حيث أن النساء يقتلن على أيدي أفراد الأسرة الذكور، وينظر إلى مبررات هذه الجرائم على أنها عذر أو مبرر، وبخصوص ازدياد معدلات جريمة الشرف، جاءت الأردن في المركز الثاني بعد تنزانيا وتبعتها مصر وازداد عدد الجرائم في الأردن سنوياً حتى أصبحت الأولى عربياً في جرائم الشرف في العامين الماضيين، وصنفت سورية في المرتبة الخامسة حيث تزداد تلك الجرائم في القرى والأرياف.
الأستاذ المحامي يوسف سكري أشار إلى العقوبات وما جاء عليه القانون من مواد في هذا الشأن فقال:
مع صدور المرسوم /37/ بتاريخ 1/7/2009 تم إلغاء المادة /548/ من قانون العقوبات، والاستعاضة عنها بنص آخر هو (يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنى المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما، أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد على ألا تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين في القتل) وقد جاء هذا المرسوم بعد أن كسرت جرائم القتل أو الإيذاء بحق الزوجات وغيرهن القريبات بداعي مفاجأتهن بجرم الزنى المشهود أو في حالات أخرى.
وكان نص المادة السابق يعفي مرتكب جريمة القتل أو الإيذاء سنداً لهذه المادة في هذه الحالات من كل عقوبة، ويحله من أي مسؤولية أو عقاب على فعله.
لكن المادة /508/ من القانون /489/ تحرق مقولة (القوانين ضوابط والعقوبات روادع) حيث توقف هذه المادة ملاحقة المغتصب إذا ما تم عقد زواج صحيح بينه وبين المعتدى عليها مدة لا تقل عن خمس سنوات شرط ألا يتم طلاق المرأة خلال هذه المدة دون سبب مشروع، وبالتالي تجيز هذه المادة للمغتصب اغتصاب ضحيته مجدداً ومجدداً مدة خمس سنوات كحد أدنى وربما مدى الحياة، لأن المغتصبة ستبقى مصابة بالرعب من رؤيته وستضطر إلى ممارسة ما أجبرها عليه وانتزاعه منها بإكراه (برضاها) لأن المادة تمنحه هذا الحق، لكن المشرعين لم يتخيلوا المشهد قبل سن المادة، وكان الأهم عندهم هو ما يعتقدون أنه (سترة) بكسر السين وكسر القلب والروح والمشاعر، إضافة إلى مصير الأولاد إن تم ذلك.
مجتمعنا محكوم بالأعراف والقوانين، وإذا ما أردنا دولة مدنية يجب على القانون إنصاف الأفراد حين يكون العرف مجحفاً بحقهم، إذ يعتبر بعض المجتمع أن المغتصبة ستبقى منبوذة اجتماعياً والأفضل أن تتزوج مغتصبها .
وعلى صعيد علم النفس يعد الاغتصاب من أشد الأفعال إيلاماً للأنثى، وغالباً ما يترك ذلك أثراً نفسياً يصعب تخطيه، ومن الأمور الشائكة جمع الضحية والجاني في بوتقة واحدة، وضمن علاقة أسرية يفترض أن ترسو على القبول والاحترام والحماية.
في الواقع أن المجتمع هو الشماعة التي نعلق عليها كل ما لا يمكننا فعله، أو ما لا نرغب فعله أحياناً، وما نلقنه لأبنائنا هو ما سيكون عليه المجتمع مستقبلاً، فإما أن يبقى مجحفاً أو يصير منصفاً.
أخيراً: نأمل إلغاء هذه المادة وليس تعديلها، وحرمان المغتصب من أي (تبرير) يسمح له بعقوبة مخففة، ويجب تشديد العقوبة في الحالات التي تربط فيها المجرم صلة قرابة أو علاقة اجتماعية قوية بالضحية.
هدى سلوم