تربيـــــة طـفل في غيــاب الأب أمـــر بمنتهــــى الدقــة والشـــقاء

العـــــدد 9461

الإثنين 4 تشرين الثاني 2019

الأسرة طائر ذو جناحين الأب والأم ولا يكتمل توازنه إلا بوجودهما معاً وبفقدان أحدهما يتضعضع هذا التوازن ويصبح العبء ثقيلاً على الطرف الآخر، حينها لا تقتصر تربية الطفل على المأكل والملبس بل توجد أمور أكثر أهمية وإلحاحاً من ذلك كالأخطاء الشائعة عند البعض بأن يقال :إن الطفل لا يبالي بغياب أبيه أو موته ،أو يقال: إنه من السهل على الأم أن تعوّض ابنها عن ذلك بطرق أخرى، ولكن إذا استطاعت الأم أن تحسن تدبر الأمر فإن الطفل ذكراً كان أم أنثى يستطيع الاستمرار في النمو بصورة طبيعية والتكيف طبقاً لذلك.

إن روح الأم هي أهم ما في الأمر فقد تحسُّ أحياناً بالوحدة أو بأنها كالسجينة أو ينتابها توتر في الأعصاب وكل ذلك شيء طبيعيّ لا يؤذي الطفل كثيراً. فأهم ما يترتب عليها هو أن تواصل صياغتها بصورة طبيعية محافظة بقدر الإمكان على صِلاتها الودية بأصدقائها مع ممارسة وسائل التسلية واللهو ومختلف أعمال النشاط الخارجي التي تعودت ممارستها ومن الطبيعي أن يصعب عليها أداء ذلك إلا إذا كان لديها طفل كبير أو صغير تعنى به دون أن يكون لديها أحد لمساعدتها ،ولكنها تستطيع على أي حال أن تدعو صديقاتها لزيارتها في البيت كما تستطيع أخذ طفلها معها في إحدى الأمسيات وهي تزور إحداهن، ولاسيما إذا كان قادراً على النوم في أمكنة خارج المنزل ذلك إنه من المفيد والمجدي لطفلها أن تحس هي بالانتعاش والانشراح من خروجها للنزهات والزيارات من أن تبقى في المنزل بكل الوقت لكي يتسنى لها أداء واجباتها المنزلية نحو الطفل على نحو متقن، ولا يستفيد الطفل من وضع أمه حداً لنشاطاتها الخارجية والتركيز على اهتماماتها وأفكارها حوله إن الطفل يحتاج كبيراً كان أم صغيراً أن يكون على صلات ودية مع الناس إذا لم يكن لديه أب وحين لا يكون الطفل ذكراً أو أنثى قد تجاوز السنة الأولى والثانية من العمر بعد يكفي تذكيره بين وقت وآخر بأن هنالك مخلوقات أخرى تسمّى رجالاً ولها أصوات أضخم من أصوات النساء وملابس تختلف عن ملابسهن، وإذا لم يكن للأسرة أصدقاء فيكفي الطفل أن يلتقي ببقال أو بائع ودود يبتسم له كلما التقى به، وبينما يقترب الطفل من السنة الثالثة من عمره أو أكثر تزداد أهمية صحبته للرجال والصبيان الأكبر، ويمكن أن يكون أولئك الرجال أجداداً أو أعماماً أو من أولادهم أو مدرسين أو رجال دين أو أصدقاء قدامى للأسرة أو مجموعة من هؤلاء جميعاً .فكلهم يستطيعون تعويض الطفل عن أبيه إذا كانوا يحبون رفقته ويرونه بصورة دائمة منتظمة شبه دائمة ،أما الطفل الذي جاوز الثالثة من العمر فإنه يبني لأبيه صورة تصبح مثالية ومصدر إلهام له ولكن الرجال الآخرين الذين ويلعب معهم. فإنهم يشكلون مادة تسهم في بناء ذلك الهيكل الخيالي وتؤثر في الصورة التي يحملها لأبيه وتزيدها وضوحاً لديه .أما الأم ففي وسعها أن تساعد الطفل على تكوين تلك الصورة من خلال ما تبديه من الترحيب والإكرام لأقرباء الأسرة من الذكور وفي وسعها إيفاد ابنها أو ابنتها إلى مخيمات تضم بعض الرؤساء من الرجال، وأن تختار إذا أتيحت لها الفرصة مدرسة تضم بعض الذكور من المعلمين وتشجع طفلها الانضمام إلى الأندية والمنظمات والتي يرأسها الرجال.
ولاشك في أن الصبي الذي ليس في بيته أب هو أحوج من غيره إلى إتاحة الفرص له وتشجيعه لكي يلعب مع الصبيان الآخرين كل يوم إذا أمكن ذلك منذ بلوغه الثانية من العمر كما يحتاج إلى تنمية اهتماماته غير الأنثوية ولكن الإغراء شديد لدى الأم التي لا ترتبط بروابط عائلية أخرى غير أن رابطة العطف بينها وبين طفلها بأن توثق رابطتها الروحية بطفلها إلى الحدّ الذي يجعله يبدي اهتماماً بالغاً بالملابس وبآرائها ومشاعرها نحو الناس وبالكتب ووسائل التسلية التي تحبها وتفضلها فإذا نجحت في جعل عالمها الخاص أشد اجتذاباً له وأسهل انسجاماً من عالم الصبيان ( حيث يتعين عليه أن يشق طريقه) فإنه قد ينضج عندئذ قبل الأوان وتنمو لديه اهتمامات أنثوية وليس من ضير على الصبي إذا استطاعت الأم أن تمضي وقتاً طويلاً ممتعاً مع ابنها شريطة أن تترك له الفرصة كذلك لكي يحيا حياته الخاصة وشريطة أن تشاركه اهتماماته أكثر مما يشاركها هو اهتماماتها .فمثل هذا الاهتمام من الأم يساعد على دعوة صبيان آخرين إلى البيت بانتظام وأخذهم في رحلات ونزهات خارجية مشتركة.
وفي الختام:
لاشك بأن تربية طفل في غياب الأب لهو أمر بمنتهى الدقة والشقاء للأم لأنها ستتحمل عبئاً مزدوجاً مادياً ومعنوياً.
إذ إن الأسرة تحكمها قوتان إلهيتان عظيمتان الأمومة والأبوة وكلاهما يكملان بعضهما فإن فقد أحدهما تضعضع هذه الأسرة وتفقد توازنها وتصبح بحاجة إلى من يسد مكان هذه الحلقة المفقودة بما يترتب عليها من مسؤوليات وتضحيات.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار