أبعدوا أطفالكــــــم عن أفـــــــلام العنف وأخــــــبار الحــــــوادث المرعــــــبة؟

العـــــدد 9461

الإثنين 4 تشرين الثاني 2019

لم يشهد تاريخ السينما سيلاً من أفلام العنف مثلما هو عليه الأمر الآن وسط تحذيرات بأن أساليب هذا العنف تنتقل بالمشاهد إلى عوالم غرائبية لا مثيل لها حتى في عنف العالم المعاش، فحين تسحق أقدام ديناصور غريب أحشاء طفل رضيع وعندما يستخدم مجرم يكشر عن أسنان فولاذية منشاراً كهربائياً لتقطيع أوصال ضحاياه وحين تهبط من كواكب بعيدة جراثيم يصل حجم الواحدة منها حجم حصان لابد أن تترك صورها بصمات على التوازن السيكولوجي للمشاهدين خاصة صغار الأطفال، ولهذه الأفلام تأثير واضح في إيقاظ وتحفيز مشاعر العدوانية عند الصغار ومع أن النقاش في هذا الموضوع يعود إلى عقود ماضية تعاظم إنتاج هذه الأفلام وأذكر هنا أن فيلم (ولادة القتلة) لأوليفر ستون يعد بحسب دراسة سبباً أولياً لدفع 15 مراهقاً لارتكاب جرائم بشعة اقترفوها بعد مشاهدتهم المتكررة للفيلم ما يعني أن مشاهد العنف تؤدي إلى إثارة حماسة وحشية في نفوس الأطفال وتفتح أعينهم على عوالم يفترض أن يكونوا بعيدين عنها وحيث إن مثل هذه المشاهد تبني في مخيلة الطفل وفي ذاكرته نبضات نفسية مخالفة لسياق حياته العاطفية الأسرية، فإنها تشكل نوعاً من معاول الهدم التي تدمر أسس توازنه النفسي وتعيق فرص بناء سُلمه الحقيقي الواضح المعالم.
ولعل قضاء ساعات طوال مع أفلام ومشاهد الرعب والقتل المجاني تجعل الطفل في حالة امتلاء بشحنات عاطفية عدوانية تزلزل كيانه الصغير غير القادر على تمييز الواقع من منتجات الخيال كما إنها تبث في مخيلته براعم الرغبة في هتك المتعارف عليه والمقبول اجتماعياً.
وتبث للطفل نوعان من العنف أولهما لصيق بالواقع مثل استخدام السكاكين وأدوات القتل التي يمكن مشاهدتها يومياً والتي تزيد مشاعر الخوف من انجرافه إلى استخدامها ضد المقربين منه وبالتالي إلى خلق زلزال نفسي لا يقوى الصغير على التعامل مع أثاره وثانيهما ذلك العنف الغرائبي الذي لا وجود لمثله في العالم المعاش ما يولد لدى الطفل فكرة مشوشة عن العالم ويضيع فرصة تكوين فكرة عن الأفق الممتد بين ما يعرفه وما لا يعرفه من مكونات هذا العالم.
علينا أن نفهم أن الأطفال ليسوا متساويين في درجات الخوف، فهناك من هو مبرمج جينياً للاقتراب من حافة الفوبيا ويؤدي تعريضه لأفلام العنف لإعاقة نضوجه وإثارة مخاوفه بشكل يؤثر في دوافعه الحياتية غير أن الدوافع العدوانية وعدم الشعور بالأمان آخذة بالازدياد بين الأطفال، ولهذه المنتجات دور حاسم في تطوير العدوانية وجعلها أكثر خطورة خاصة مع غياب الإرشاد الأبوي ،ولهذا يتوجب على الآباء إبعاد أطفالهم عن أفلام العنف ونشرات الأخبار التي تحفل عادة بمشاهد العنف والحوادث المميتة كما يتوجب دفع الأطفال إلى التعبير عن هواجسهم إثر أي مشاهدة من هذا النوع، وبخاصة حينما يتعلق الأمر بمشاهد قصيرة للغاية مع العمل على بث روح الدعاية وإفراغ المشهد من أي واقعية حتى تعلق الأمر بمشهد من مشاهد الأخبار ويتوجب على الآباء أيضاً ألا يظهروا شدة صدمتهم إزاء أي مشهد مهما كان مرعباً واعتماد أسلوب شرح كيفية حصول الأحداث على خارطة العالم أو تصوير الأمر على إنه مستحيل الحدوث إن كان الأمر يتعلق بمشهد سينمائي مع التأكيد على أن الذين أنتجوا الفيلم كانوا يهدفون إلى جني أرباح طائلة من وراء مشاهد الرعب.

لمى معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار