رجعـــت الشتويـــة.. والعائلــــة في ابتـــلال والتبــــاس

العدد: 9460

الأحد: 3-11-2019

 

 

من أول (مطرة) ترى الناس في جلبة وسط حلبة ضاق فيها بساط الصيف الواسع، تغيرات وتقلبات تصيب البيت من بابه لمحرابه بسكانه، وسحب في أجوائه ليس لها انقشاع بغير بعض الترتيبات والتحضيرات لتحط حقائب حملت فيها لوازم الشتاء في أرض كل غرفة واللباس من الخزائن قد انجرف بتيار ليختلط (الصيفي بالشتوي) وتكوّن سيولاً من الثياب تسد أبوابها خوفاً من انهيارها بعشوائية وغوغاء، فتكون الريح هوجاء في الاختيارات والاختبارات بألوان وحسب برودة الأجسام وصلابتها تكون المقاومة أو الانصهار والإصغار، ضباب يخيّم على صورهم. فبعضهم ترى لباسه بأكمام وآخرون بدونها وتشمرت سواعدهم والزنود بانكشاف لشمس يومهم وإنك لأمرهم تحتار، وكل ينظر إلى الآخر بارتياب وسؤال (بردان، دفيان) ، وقد أسرعوا تحت أسقف الشماسي والواقيات لسكبات سحب أدمعت عليهم فلمَ كل هذا البكاء والانفعال؟
الشابة كريستين، طالبة جامعية أشارت أن هذه الأمطار أجبرتها على (تنكيش) حقيبة خزانتها المتخمة باللباس الشتوي، لتختار ما يناسب هذا اليوم الكئيب، ويقيها هذا الاختراق البارد للجو، كما أنها حملت المظلة لتلافي فساد مكياجها وانحلال ظلال عيونها على وجهها، بالإضافة إلى أن قاعات كليتها باردة حتى بالصيف فكيف لها أن تكون هذا اليوم ؟
أم جاد، مهندسة: أسرعت باستقبال الشتاء، فلها في البيت صغار يلعبون ويحبون على الأرض الجرداء والبلاط، كما أنه ليس في رصيدها يوم إجازة فقد أفرغتها على طفليها حين الاضطرار في مرض أحدهما أو غياب الفتاة التي ترعاهم في وقت خروجها للعمل إلى أن تعود، ها هي اليوم ولما سمعت باقتراب منخفض جوي بارد أنزلت فراش الأرض من السقيفة وشمسته يوم العطلة وأودعته خلف باب غرفة نومها خوفاً أن يقع بعضها على الأولاد، ليأتي أن تفرش البيت بالسجاد على كامل بلاطه البارد كما اشترت من السوق بعض الألبسة الداخلية والجوارب لهما فأجساد الصغار غضة ويمتص ريقها البرد لتكون عرضة للمرض .
أم سومر، موظفة: بعد أن صنعت مونتها آخر الصيف جاء اليوم الذي يتطلب منها اقتطاع إجازة من الدوام وانقطاعها عن العمل لأجل تغيرات في المنزل تأتي تبعاً للمناخ والفصول من كل عام، فهي قد غيرت ديكور الصالون وغرفة الجلوس لتسد منافذ الخروج للبلكون بشكل مباشر وذلك لتحاشي خروج الأولاد من الجو الدافئ للبارد خوفاً من المرض، كما أنها قد غيّرت بأماكن مقاعد الجلوس والصوفيات .فلكل فرد فيه مكان جلوس اعتاده في سهرات لساعات طويلة ولمات العائلة الشتوية وتكون من أجمل الأوقات حيث العائلة مجتمعة ويطيب معها بعض المأكولات والطيبات والمقرمشات التي أجادت لهم صنعها ، وأكثرت فيها الأرائك والحرامات وكانت قد أخرجت اللباس الشتوي الذي وضبته في أكياس كبيرة ورمته على سقف الخزانة في كل غرفة نوم للبنات والشباب، وطوت بعض الثياب الصيفية ونشلتها من الخزانات وليس الخوف من انزعاجهم ،وقد يرفضون الأمر بما جئت عليه فالصيف ما زال عندهم ولا يريدونه أن يغادرهم ويغادر شواطئهم بحجة أنهم لا يشعرون بالبرد والوقت باكر ولمَ العجلة على الشتاء؟
إسماعيل في الصف الثاني، عاد من مدرسته ليتفاجأ بالبيت بعد أن فرشته أمه بالسجاد وسرعان ما رمى حقيبته وانبطح عليه ونادى بأعلى صوته ما أجمله، بيتنا أصبح دافئاً وأحلى هكذا، واندفع يحضر ألعابه ويفرشها على السجاد ونسي أن يقول إنه جائع كما كل يوم .
أبو بشار، يسكن في قرية السرسكية قصد المدينة ليبحث في السوق عن مدفأة حطب ليشتريها، وقد جهز لها ما تلتهمه طوال فترة الصيف فكلما أراد أن يقطف ثمار أشجاره يقلمها ويقطع منها اليابس والمريض، ليجمعها بأحمال ويحضرها معه للبيت، كما أنه قد اشترى الشموع التي يحب ضوءها في البيت فالبطارية عنده معطلة وليس له أن يصلحها أو يشتري غيرها الآن، وهو يخاف أن يرجع التقنين وتنقطع الكهرباء، مع أنه سمع منذ أيام قليلة أن مدير عام مؤسسة الكهرباء قد صرح لإذاعة ميلودي عن نية الوزارة بتخفيض ساعات قطع الكهرباء والابتعاد عن التقنين القسري وتحسين واقع الكهرباء في فصل هذا الشتاء، يقول: عسى أن يكون قوله خيراً وبشرى منورة لشتاء عاصف و ضوء الكهرباء بيننا ويلمنا في جلساتنا وسهراتنا .
البائع أبو سالم: أشار إلى أن أسعار الخضراوات قد ارتفعت باحتساب واقتطاع أجور المركبات التي تنقلها وسط تقلبات جوية تصيب الناس بابتلاء، حيث أن بعض المزارعين قد أقعدتهم الأمطار في بيوتهم، وتدبروا يوم راحة لهم بعد عناء الصيف وشمسه التي أسقطته عن صهوة التعب والشقاء باستحياء، ليولوا أمرهم غير قطف الثمار الذي قد يكون العمل فيه بأضعاف وسط جلبة الأرض الموحلة ولا يكون عندهم بيع، عندها يخف العرض ويكثر الطلب ليكون ارتفاعاً في أسعارها كما أن بعضها قد قل وتغير موسمها لينخفض إنتاجها فمن المؤكد أن يرتفع سعرها، و ليس الذنب يقع على البائع فربحه محدود .

تصفح المزيد..
آخر الأخبار