العدد: 9458
الأربعاء :30-10-2019
غنى تاريخــي وحضــاري وملعـــب كـــرة قـــدم يتســع لـ 11 ألــف متفـــرج
تقع مدينة (عمريت) الأثرية جنوبي طرطوس على بعد /7كم/ أمـّا الآن فهي ضاحية منها، يخترقها نهر صغير معروف باسم (نهر عمريت) أو (نهر مارتياس)، وتمتد على مساحة تقدر بـ /8 كم2/، وتعتبر من أبرز مدن الساحل الكنعاني- الفينيقي، ويذكر (أريان) أنها كانت المدينة الرئيسية في القسم القاري من مملكة أرواد.
التسمية
ذكرت في حملات الفرعون (تحوتمس الثالث) تحت اسم (قرط عمريت) وأطلق عليها اليونانيين باسم (ماراتوس) قائلين أنها مدينة مزدهرة جداً ولعلها من أكبر مدن الشرق.
لمحة تاريخية
أسسها الأموريون في نهاية الألف الثالث وبداية الألف الثاني قبل الميلاد ثم خضعت لمملكة أرواد، وشكلت معها حلفاً ضمّ كل من (بالتوس-عرب الملك) و(بالانيا- بانياس) و(كارنة- القرنين) وكانت مركز توسع للأرواديين على الشاطئ ويقيمون فيها مساكنهم ومخازنهم ومصانعهم ومقابرهم.
ازدهرت زمن الحكم الفارسي ونمت وعندما جاء (الاسكندر المقدوني) ووجدها كبيرة وغنية استقبل فيها مبعوثي الملك الفارسي (داريوس) وبودلت على أرض عمريت الرسائل الدبلوماسية بينهما.
تحررت (عمريت) من سيطرة أرواد في أواخر القرن الثالث (219 ق.م)، وباعدت الضغائن والأحقاد بينهما فدمرها الأرواديون في منصف القرن الثاني (148 ق.م) وتقاسم الأرواديون أرضها.
فقدت عمريت منزلتها خلال العصر الروماني، ثم عادت لتبني مجدها في العصر البيزنطي ثمّ أُهملت وأخذ الفرنجة يستخدمون حجارتها في تحصينات مدينة طرطوس وأرواد.
آثار عمريت (المعبد- تل عمريت- مستودع المقدسات- البيت الصخري- الملعب)
المعبد: وهو عبارة حوض حفر بالصخر طوله /33ِ،65م/ وعرضه /49،50م/ وغير متساوي الأضلاع، بينما بركته /48،38م/ وله رواق وأعمدة وعتبات مزينة بشراريف بينها ميازب منحوتة على شكل رؤوس سباع ذات طراز فارسي، ينحدر منها ماء سطح الرواق نحو البركة، ويوجد في الجدار الشرقي نبع مقدس ويضم قناة محفورة في جداريه الشرقي والجنوبي تستخدم للتطهير، وأُخرى حفرت في أرض الرواق تستعمل للشرب، بينما يتوضع مصرف المياه في الجانب الشمالي.
يتوسط المعبد الهيكل المركزي المزين بشراريف وطنف من الطراز المصري خُصص للإله (ملكارت) الشافي من الأمراض، وتوجد ثقوب في زوايا الأعمدة بشكل يسمح بوضع إصبع اليد فيها وخاصة إصبع المريض، أو تعليق شيء ما يُشبه القربان، يجري الطواف حول الهيكل على الأروقة أو بواسطة زوارق صغيرة في بركة الماء المحيطة بها.
الملعب (230×30) م: يقع على بعد /300م/ إلى الشمال والشمال الشرقي من المعبد، محفور بالصخر، متآكل في بعض أطرافه، قسمه الشرقي على شكل حدوة حصان يتخللها ممران يسمحان للمتسابقين بالدخول والخروج من الملعب، كما يوجد ممر آخر في الجانب الجنوبي على شكل نفق، يتألف من سبع درجات ويتسع لـ /11200/متفرج، يشبه ستاد مدينة (أليس) في اليونان ويمكن اعتباره من ملاعب الأولمبياد التي كانت تجري فيها الألعاب آنذاك (الجري- سباق سيارات- الأكياس).
المرفأ: وهو صلة الوصل مع أرواد وعالم البحر المتوسط وهو عنوان للحياة الاقتصادية المزدهرة التي عاشتها أرواد سواء عن طريق التجارة أو الزراعة، ويقع للجنوب قليلاً من نهر (مارتياس) وقد غطته الكثبان الرملية والقصب، وتشير الاكتشافات الأثرية إلى ازدهاره في القرنين /5-4/ ق.م.
الأقنية المائية: تتوزع هذه الأقنية بين المنشآت السكنية والمينائية منها للمياه العذبة وأُخرى للمالحة، وبعضها تكسوها الطينة ومغطاة بالحجارة وأخرى جوانبها ذات إفريز من جهة، ومن الجهة الأخرى لها حرف يستند عليها غطاء فخاري.
السور(112م× 170سم): وهو مبني بحجارة رملية كبيرة ومرصوفة بدون معونة ومتعارضة مع بعضها كي تتماسك، وهي تقريباً متساوية الحجم ومن ذات الموقع.
تل عمريت: يعتبر المدينة السكنية أبعاده /110×140م/ وارتفاعه/17م/، يوجد بالقرب منه نبع للشرب يُعرف بـ (نبع التل)، وآخر على بعد حوالي /300م/ يُعرف بـ (نبع الحياة).
دلت التنقيبات الأثرية عن وجود سويات يعتقد أنها تعود لـ/2150-2000/ق.م وهي الفترة التي أنشأ الأموريون فيها بعض المدن على الساحل، وسوية أُخرى تعود لعصر البرونز الأول والوسيط /1350-1750/ق.م.
مستودع المقدسات: وجدت مجموعة من التماثيل وبعض الدُمى التي يعود تاريخها لـ/5-4/ق.م.
البيت الصخري(موقع الكنيسة): وهو منحوت بالصخر، طول واجهته الغربية /30م/، بارتفاعات مختلفة وبسماكة حوالي /80سم/، ومؤلف من ثلاث غرف فواصلها من الصخر نفسه.
الفن في عمريت: لم تمنع حجارة عمريت الرملية التي لا تسمح بالزينة إلا فيما ندر، من التعبير عن عظمة مدينتهم وتطور فنهم وتمّ ذلك بجلب حجارة التماثيل من مناطق مختلفة، ويظهر ذلك في المعبد والمدافن والملعب وموقع الكنيسة وبرج البزاق. أما الزخرفة بالشراريف والسباع المنحوتة الجاثمة فتأثرت بالطراز المصري والفارسي واليوناني، أما بالنسبة لتماثيل الآلهة فتأثرت بالفن المصري، وتمّ العثور على لوحة من الفسيفساء قرب نهر ماراتوس محافظة على شكلها الطبيعي يُعتقد أنها تعود للقرن /3-4/م.
نقود عمريت: ظهرت في عمريت العديد من النقود الأروادية، وضربت نقود باسم (ماراتوس) في فترات زمنية مختلفة في القرن/3-2/ق.م. مما يدل على أنها كانت ذات مكانة اقتصادية هامة وظهر عليها صورة إله ملتحٍ متوج بإكليل من الغار، وهذا ما يشير إلى الإله (زيوس) إله العاصفة (قديس الكون)، و(أسكليبوس) الإله الشافي، والإله (هرمز) يمسك صولجان عليه ثعبانان في أعلاه جناحان، وكذلك الإله (أبولون).
الديانة في عمريت: عرفت عمريت عدداً من الآلهة وكرّمتها، دلت عليها النقود والمنحوتات فيها مثل (زيوس- أسكليبوس- هرمز- أبولون)، وتأثروا بالآلهة اليونانية والمصرية مثل (ملكارت- أبو الهول- أم الهول- ورؤوس الكهنة).
أما الطقوس الدينية وعملية الطواف بالمعبد كانت أحياناً تُمارس بواسطة الزوارق، وكان الأهالي يقدمون القرابين للآلهة كل حسب إمكانياته (حيوان، رمانة، حرة، حمامة)، وأحياناً طفل إذا دهت القوم دهياء عظيمة.
المدافن (المغازل- مدافن عازر- برج البزاق- رام الذهب)
تفنن أهل أرواد وعمريت في بناء القبور لموتاهم وهي:
أ- المغازل: وهي تخص ملوك أرواد وعمريت وأغنيائهم وتعود للقرن /6-5/ق.م وتمثل أنصاباً جنائزية أو شواهد قبور ضخمة منحوتة بالصخر ولها نموذجان:
الأول: هرمي، يتألف من قاعدة مكعبة تعلوها أسطوانة متوجة بهرم ويتم الدخول إليه بممر ذي درج محفور بالصخر، وعلى جوانبه قبور فردية (معازب) وينتهي إلى غرفتين متتاليتين: الأولى منها ذات معازب، والثانية في وسطها مصطبة لوضع تابوت رب العائلة.
الثاني: قببي، عبارة عن قاعدة مربعة تعلوها أسطوانة تزينها شراريف، تليها أسطوانة أخرى أصغر من الأولى على شكل قبة مزينة أيضاً بشراريف، ويقود إلى المدفن ممر منحوت ذو درج يصل لغرفتين متتاليتين.
ب- مدفن جماعي: يقع إلى الشرق من المغازل ويضم غرفتين ومعازب.
ج- مدافن عازر: تقع في السهل الممتد بين طرطوس وعمريت، تحت الكثبان الرملية، وترجع إلى العهد الكنعاني واليوناني والروماني، عثر فيها على تمثال من المرمر يعتقد أنه يُمثل (الإله باخوس).
د- برج البزاق: وهو عبارة عن مدفن عائلي بشكل مكعب مبني بالحجارة المنحوتة الضخمة المختلفة الأحجام تعلوه كورنيش، يصل ارتفاعه حتى /11م/ مؤلف من طابقين كل منهما عبارة عن غرفة واحدة بابها في الجدار الشمالي ويرجع للقرن /6-5/ق.م.
هـ – رام الدهب: تقع في الجنوب الشرقي من معبد عمريت وتبعد عنه حوالي /1200م/، يُعتقد أنه تاريخها يعود للقرنين/5-4/ق.م.
وقلعــــة قدمـــوس.. اســـتعصت دائمـــــاً على الطامعــــــين
تقع قلعة قدموس في ناحية القدموس، وتبعد عن بانياس باتجاه الشرق حوالي /30كم/ ونفس المسافة عن مصياف إلى الغرب، وموقعها يشكل منتصف الطريق بين مصياف وبانياس، وتبعد عن محافظة طرطوس/ 65كم/، تعتبر هذه القلعة من أجمل القلاع الأثرية، فهي صخرة طبيعية وجدت على مرتفع يعلو /1000م/ عن سطح البحر. تطل قلعة قدموس على مسافات بعيدة من كافة الجهات إذ يمكن منها مشاهدة أضواء ميناء طرطوس كما يمكن مشاهدة جبال قبرص عندما تكون السماء صافية.
التسمية
لقد ورد اسم قلعة قدموس في مصادر تاريخية عديدة (في السريانية قدموس وفي اليونانية كدموس)، وقولنا قلعة القدموس هذا خطأ لأن (ال) التعريف لا تدخل على اسم العلم والأصح أن نقول قلعة قدموس.
وقدموس هو اسم كنعاني لملك من ملوك الكنعانيين ذكرت المصادر أنه ابن آخبور الملك الكنعاني، وقد ذهب إلى الغرب ليسترد أخته عروبة (أوروبا) بعد أن اختطفها (زانس) فتوقف في بلاد اليونان وأدخل فيها الأبجدية وأنشأ مدينة (ثيبه) حوالي القرن الخامس عشر ق.م. ذكرالقلعة ابن بطوطة وقال أنها تخص (الاسماعيليون أو الفداوية).
لمحة تاريخية
لم تذكر المصادر التاريخية تاريخ دقيق لبناء (قلعة قدموس) التي فتحها العرب مع العرب مع الفتوحات العربية لبلاد الشام عام (87هـ -705م)، وبقيت تحت حكم الدولة العربية في دمشق أولاً ثم في بغداد ثانياً.
اشترى (الاسماعيليون) قلعة قدموس عام1117م من (ابن عمرون الدمشقي) بعد أن عززوا وجودهم في قلعة (مصياف).
احتلها (الفرنجة) عام1128م ولكن صاحبها القديم (ابن عمرون الدمشقي) استعادها وباعها لمقدم الاسماعيلية (أبو الفتح السرميني) الذي اتخذها مركزاً للسيطرة على بقية القلاع المجاورة، فدّعمها وأدخل عليها تحصينات أكثر مناعة، ولمّا استلم (سنان بن راشد الدين) مقاليد الدعوة أقام فيها كثيراً. عام/1195م/ هاجمها القائد الصليبي (بوهمند الثاني) وفشل في احتلالها.
ذكرت بعض المصادر التاريخية أن أبناء الجبل شكلوا فيها إمارة صغيرة ولكن التاريخ لم يقدم تفاصيل أو يحدد هذه الإمارة والمدة التي دامت فيه.
في عهد الظاهر بيبرس فرض عليها ضريبة باهظة تقدر بـ/3000 دينار/ في السنة وسيّر جيشاً بقيادة الأمير عز الدين العديمي، ولكن الاسماعيليين استقبلوا الأمير بالترحاب وعقدت بين الطرفين معاهدة صداقة وعدم اعتداء، وصان الظاهر بيبرس عقيدة الاسماعيلين مقابل دعمهم له في حروبه ضد الفرنجة.
احتل (المغول) قلعة قدموس أثناء احتلالهم للشام وانسحبوا منها بعد هزيمتهم في (عين جالوت).
عام 1717م هاجمها العثمانيون واستعصت عليهم فبنى بمحاذاتها برجاً ركز عليه المدافع وقذف القلعة حتى أخرج أبناء الجبل الذين كانوا قد احتلوها.
هدمها القائد المصري إبراهيم باشا عام1838م أثناء وجوده في بلاد الشام.
استخدمها الشيخ صالح العلي في ثورته عام1919م ضد الفرنسيين، وهي ماتزال مسكونة حتى الآن.
لمحة معمارية
تعتبر قلعة قدموس من القلاع الدفاعية والتي لا يمكن الدخول إليها إلا من باب واحد من الجهة الشرقية، وهذا الباب يصعب الوصول إليه إلا بواسطة السلالم، وقد وجه الإسماعيليون اهتمامهم إلى امتلاك هذه القلعة منذ أن قرروا إقامة إمارتهم في الجبال الساحلية وقد اعتبروها عاصمة لقلاعهم في فترة من فترات التاريخ.
يتم الدخول إلى القلعة عن طريق بوابتها الرئيسية بدرج متآكل، ولم يبق من بنائها القديم سوى أجزاء من أبراجها وسورها وقد قامت فيها المنازل السكنية الحديثة..
حافظ السكان على غرفة شيخ الجبل (سنان راشد الدين) من الجهة الشرقية للقلعة ويبلغ طولها 20 م وعرضها 10م، بوابتها محافظة على وضعها وهي ذات ثلاثة أروقة ذات سقوف عقدية وفي كل رواق شرفة تطل على جهة الشرق وربما كانت للمراقبة وقد حافظ عليها السكان وجعلوها تشريفة لهم.
وعلى مقربة من القلعة يوجد جامع مؤلف من ثلاثة أروقة سقفه عقدي، أما البوابة الرئيسية له فقد كتب عليها (أمر ببناء هذا الجامع جمال الدين ….) إلا أن بقية الكتابة مبهمة غير واضحة بسبب عوامل الحت فيها، وعلى جدار الجامع صخرة نحت عليها هذه الكتابة (أمر بتجديد هذا الجامع المبارك المولى لأصحاب نجم الدين بن شمس الدين أعز الله نصره) وعلى عتبة بابه الرئيسية كتب آية قرآنية، وكل هذه الحجارة المكتوبة هي دخيلة على البناء الأساسي القديم.
وعلى بعد 50 م من الجامع هنالك الحمام إلا أنه قد أزيلت سقوفه ليبني فوقه أحد أبناء المنطقة منزلاً له، وقد بقيت جدرانه محافظة على شكلها القديم وهو حالياً مأوى للدواجن والماشية لصاحب المنزل.
طريق الوصول: نسلك طريق طرطوس-بانياس ثم نتجه يميناً باتجاه بلدة بارمايا ونتابع الطريق باتجاه بلدة اسقلبة ثم بلدة بيت الميسرة فقلعة قدموس.
د. نزار إبراهيم يونس