ألا يوجــد في هــذا الزمـــان صــــديق؟

العدد: 9291
الأربعاء-13-2-2019

 

 

كم قرأنا ولاقينا في دروبنا أصدقاء؟ نغربلهم فلا يبقى إلا القليل، لنقول اليوم مع الشافعي: سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفاً.
نبكي على الأطلال مع ظل يتربص بنا، وخيال نتوهمه لصديق فقدناه، في زمن تلبدت غيومه بالنفاق والكذب والرياء، وضاقت بنا الدنيا على اتساع أرضها وقيدتنا بمشاغلها وأسباب عيشنا وضيقت علينا لنسأل أين ذاك الصديق وقت الضيق؟
نبحث في خبايا أنفسنا وسراديب أعماقنا عن صديق صدوق يكتم سرنا في زمنٍ التهم الفيسبوك ناسه ليرى منهم العجاب، نقيق وفضح أسرار، ويكثر عندها القيل والقال ليكون كل شيء فيها مستباحاً تفتك به ألسن ومن غير من دعوناهم أصدقاء.

السيد أمجد، موظف أشار أنه ليس له أصدقاء حقيقيون غير في عمله وهم زملاء يقضي معهم بعض الوقت في الدوام، لكن خارج تلك المؤسسة لا يمكن أن يسمع لهم صوتاً أو حتى يراهم وهو يسكن في القرية بعيداً عنهم، كما أنه على الدوام منشغل بزراعة أرضه باقي النهار ليرجع متعباً يأكل وينام، وأكد أنه في هذا الزمان حيث كثرت الأوجاع ورأينا الوجوه تكتسي بالتعاسة والبؤس ابتعد الناس عن بعضهم وانعزلوا في بيوتهم ولم يعد لهم أصدقاء ولا حتى جيران ( كل واحد بحالو) 

الشاب علي، طالب بكلية الهندسة أشار بأن الحياة مستحيلة بلا أصدقاء حيث قال: الإنسان الممتلئ بالحب والحياة يرى فيه جميع من حوله صديقاً جميلاً يمنحهم السعادة، وأنا لي الكثير من الأصدقاء في الكلية وغيرهم في الجامعة وحتى الحي الذي أسكنه، لكن ليسوا جميعاً بنفس المرتبة أو الدرجة في نفسي، وبعضهم يصل ما يمكن أن يساوي أصدقائي على الفيس، أصدقاء افتراضيون فرضوا أنفسهم علي وقبلتهم ولكني لم أر صورهم وألمس حقيقتهم وتصاويرهم، فقد يكونون غير ما طبعوا به صفحاتهم على الفيسبوك.
ويتابع عنه الحديث صديقه في الكلية حسن فقال: على الفيس يوجد الآلاف من الأصدقاء وهؤلاء لا يمكن مناداتهم غير ذلك، أشخاص دخلوا غرفتك دون استئذان، وجالوا في أطراف نفسك لكنهم لم يتصفحوا غير ما أخبرتهم به، ولا يمكنهم أن يلموا بمصابك من أفراح وأحزان، ليردوا ببعض العبارات والصور المستنسخة بكربون، فتبقى جامدة فاترة بلا مشاعر أو قربى، وهؤلاء يمكن أن يختفوا بكبسة زر ودون إنذار.
الشابة آية، طالبة طب أشارت أن لها بعض الصديقات في صفها وخارج الجامعة من بنات قريتها، لكنها لا تجد وقتاً لزيارتهن اليوم فدراستها تشغلها وتأخذ منها طوال ساعات النهار وفي فترات استراحتها ووقت الشرب والطعام تدردش مع بعضهن على الفيس أو الواتس وحتى أنها ترسل بعض المعايدات التي توفر عليها الوقت والجهد وترى في ذلك سعادتها وأنسها، لكن في بعض العطل يجتمعن للسهر والتسلية ووجهاً لوجه.
السيدة لينا، مدرسة أشارت إلى أن الأصدقاء الفاسدين ورفاق السوء يمكن أن يدمروا ابنها الوحيد وهو صف سابع ويخربوا عليه دراسته، ويفسدوا اجتهاده ومستقبله، لهذا هي التي تختارهم له من أبناء جيرانها وصديقاتها، حتى أن أصدقاء زوجها لا يعجبونها كلهم، ولطالما اشتد كلامها عليهم عند ذكرهم أمامها، فهي لا تجد فيهم ما يمكنه أن يسميهم أصدقاء فجميعهم مصلحة، وعندما يقضون مآربهم يغيبون ولا نرى منهم أحداً، وأضافت: الصديق يجب أن يكون صدوقاً صادقاً صالحاً حسن الخلق ومحباً غيوراً، يتوافق بالعمر والأفكار، وتجده وقت الحاجة بجانبك يشد يمينك، يفرح لفرحك ويحزن لحزنك.
أبو ياسر، متقاعد ويجلس على طاولة الزهر يلعب مع صديق فاجأنا بسؤاله، قل من هو صديقك أقل لك من أنت؟ فأنت وصديقك متشابهان وأحياناً متطابقان وجهان وجسد واحد، أحب الأصدقاء ولطالما كان في نفسي منهم الكثير (إخوة لم تلدهم أمي) لكن الزمن باعدنا ومنهم من قضى نحبه ومنهم مريض أزوره كل وقت وحين، فالصديق تلجأ إليه عندما تصاب بارتفاع ضغط الدم ولا علاج له أفضل من أن تفضفض لصديقك عند الغضب لتستريح، وما أكثر اليوم الجلطات وأظنها لعدم توفر الأصدقاء في هذا الزمن الصعب المغبر بالأزمات النفسية و المادية وعسر المعيشة والحال.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار