العدد: 9439
الخميس : 3-10-2019
لا يختلف اثنان على جدلية العلاقة بين الإعلام و الثقافة، هناك تلازم يكاد أن يكون عضوياً بينهما، فمن الصعوبة بمكان أن تتمتع بألق سافر في عالم الإعلام بلا مخزون ثقافي كبير يفتح أمامك دائماً آفاقاً رحبة، يحملك أينما تريد ليمنحك التميز أبداً في عوالم الإعلام والصحافة، وإذا ما بدأنا بالحضور الجدي للخبرة النظرية والعملية لدى الإعلامي، فإننا سننتهي بالكم الوافر من التراكم الثقافي لضمان وصول الإعلامي إلى المراتب العليا بين أقرانه.
و هنا لا بد من التنويه بأهمية التحصيل الثقافي للعاملين في السلك الإعلامي لأنه طريق النجاح أولاً و طريق الإبداع فيما بعد، ولا ننسى هنا كثيراً من مشاهير الإعلام الذين بدؤوا في عوالم الإعلام والصحافة من ثم أبدعوا في عالم الثقافة والأدب، من أمثال الأديب الفرنسي العالمي بلزاك وكثير غيره عبر التاريخ.
هي ذي شيفرة التألق في عالم العمل الإعلامي بجناح المعرفة والخبرة بالإضافة إلى جناح الثقافة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال القفز فوق هذي الحقيقة أبداً.
كانت لنا وقفات مع أصحاب الرأي، الصحفي كمال شاهين: علاقة الإعلام والأدب هي علاقة الشجرة بثمارها.. أو أغصانها بافتراض الأدبي شجرة… الأدب ليس مجرد منتج مفرد أو مستقل بقدر ما يتداخل مع كل صنوف الأعمال الإبداعية الأخرى… وكلما زاد الإعلامي أو الإعلام من حضور الأدبي فيه بما هو كيان متسع حاضر في السياق البشري كجواب وجودي فإن الإعلام يرتقي أكثر لكن لتحقيق ذلك على الأدبي أن يتحرر من ثقل الأدلجة والتحكم إلى رحابة الإنساني.. الإعلام أصلا هو منتج إنسانوي بالتالي يصح عليه أنه يتغذى من خبرات البشر.. رواية أو مسرح أو نقد أو مثاقفة مع الآخر..
الإعلام أداة قوية جدا وتطعيمها بالأدبي يتيح انتقال كلا الطرفين إلى آفاق جديدة في المعرفة البشرية وبالتالي انتقالات موازية في فهم المسار الإنساني.
ميس الريم شحرور: أن تكون إعلامياً يعني أن تمتلك تلك البلاغة التي تخولك لأن تكتب دون إسهاب وأن توصل فكرتك إلى الجمهور المتلقي ببساطة وإيجاز لكن دونما أن تنسى امتلاك القدرة على التأثير سواء في الصحافة المكتوبة أو السمع بصرية، وهذا بحد ذاته ضرب من ضروب الأدب، فالأدب لدى الإعلامي والصحفي اليوم ملتحم بخبرته كإعلامي، وإن جهد على إنكار تلك العلاقة الوثيقة بين الإعلام والأدب، وعندما تحترم جمهورك القارئ لمادتك الصحفية أو المستمع للخبر الذي تقدمه أو برامج الإذاعة التي تبثها مهما اختلفت تسميات وأنواع الوسائل، فإنك باللاوعي تسعى لتكوين ذاك الرابط الذي يجذب من يتابعك وبالتالي لا يختلف الإعلامي بذلك عن الأديب ولعل أفضل البرامج الحوارية باعتقادي ما كان مبنياً على توظيف الأدب والشعر والفصاحة في اختراق قلوب الضيوف والمشاهدين من خلال الأسئلة المنمقة المهذبة والمزينة باللفظ الزاهي والحرف الراقي، وتلك تجربة مميزة فريدة يمكن ملاحظتها في عالمنا العربي جليّةً في برنامج خليك بالبيت سابقاً وبيت القصيد الذي يعرض على قناة الميادين حالياً، وكذلك الصحفي في وسائل الإعلام المكتوبة فإن باستطاعته أن يجعل مادته الصحفية جذابة رغم بساطة الأسلوب الذي يجب أن تحظى به، فالبساطة إنما هي أدب.
الصحفيّة بشرى رجب: على ما أعتقد أن هنالك صلةً وثيقة تجمع بين الأدب والإعلام فكلاهما يحمل رسالةً إنسانيةً ساميّةً وهي مفهوم (التغيير)، تعميم فكرة أن الأدب مرتبط بالإبداع والقدرة على طرح مواضيع مختلفة بلغة وأسلوب يحتاج إلى سنوات كثيرة لاكتسابه وإتقانه بشكل محترف، وأن الإعلام هو أضواء وشهرة ونجومية تعميم مجحف بحق الطرفين وخاطئ الأدب ومنذُ ظهوره الأول (شعراً كان أم نثراً) لعبَ دور الإعلام في توثيق الأحداث التاريخية المهمة من معارك وانتصارات وأفكار مجتمعية ومشاعر وجدانية، وتمَّ تخليدها في قصائد ومعلقات وملاحم شعرية للشعراء القدماء، وهكذا تعدّى دور الأدب المهم بالتوثيق في خطواتٍ حثيثة بالأخص عند تناقل هذه القصائد من قبل الناس في تلك الفترة، في العصر الحديث تتشعب القضايا المطروحة، فالعولمة تنسج شبكتها الخاصة معتمدةً على وسائل إعلاميّة مرئية، مقروءة ومسموعة الكون الواسع أصبح صغيراً بفضل الإعلام ولكن هل يا ترى يستطيع الإعلام أن يفصل الأدب ويحجمه في قالب مستقل؟ أبداً على الإطلاق، اللغة هي من أكبر وأهم الاختراعات البشرية، اللغة هي أساس المادة الإعلامية الناجحة، نستطيع أن نقول إنها قادرة على توثيق الصورة وإيصالها بأفضل طريقةٍ صالحةٍ للاستهلاك البشري، في الواقع والحق يقال هنالك تراجع ملحوظ للأدب في المجالات الإعلامية وخصيصاً بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي ولكن لابد أن نلقي الضوء على نوعٍ مهمٍ من الصحافة (الأدبية والثقافية) لأنها إعلام متخصص يهتم بالأدب، يُعنى بجمالية الكلمة بالإضافة إلى التوجه إلى جمهورٍ خاص وإن باتت أعداده قليلة في الوقت الحالي.
نور محمد حاتم