الملـل ضيف ثقيـل فكيف نتخلّص منـه؟

العدد: 9433

الأربعاء:25-9-2019


ضيف ثقيل يزورنا من غير استئذان، ومن دون أن يطرق الباب أحياناً، يدخل بوقاحة، ويتربع متثائباً في باحة حياتنا ويفرد جناحيه الثقيلين في أركان البيت وفي زوايا العمل، يخترق الطناجر والصحون وخزانة الملابس والمرايا والستائر ويلقي بظله فوق المكاتب والدفاتر والأجهزة فيفرض نفسه على ما نأكله ونلبسه ونفعله ونراه فيصبح ما حولنا من وقت إلى آخر بلون من البلادة والروتين إنه الملل.

من منا لا يعرف الملل، وكأن الملل من سنن الحياة مهما بلغ حبنا للأشياء التي نمارسها أو تنوعت هواياتنا ونتساءل كيف كانوا فيما مضى يقضون أوقاتهم وهم لا يملكون ما نملكه من وسائل التسلية ولو بعث إنسان من العصور السابقة ليشاهد ما أصبحنا نتمتع به من كثرة المشاغل وتنوع وسائل التسلية لا نستغرب كيف نمل، ومع ذلك لا تخلو حياتنا من الملل على الرغم من الفضائيات والفيديو والراديو والحاسوب والإنترنت وسرعة التنقلات والانفتاح بين الثقافات والحضارات نمل أحياناً حتى من أنفسنا أو من أفكارنا والجميع قابل لأن يصاب بهذا الفيروس اللعين ولا ممنوع من الملل على مرّ العصور ولعلّ الإنسان كلما ازدادت رفاهيته كثر ملله ربما لأنه يجد أن مسافة ما يطمح إليه قد تقلصت بتحقيقه ما يريد فيدخل في حالة من القلق للبحث عن جديد يفرحه وهذا ما قد يجعل سبل كسر الروتين تشذ أحياناً كثيرة عن المعقول والمسموح وتدخل أحياناً في دائرة الشر فالملل لدى شهريار هو الذي جعله يعدم كل صياح ديك عروساً ليأتي بعذراء غيرها في المساء التالي وما انتصار شهرزاد عليه سوى انتصار على الملل داخله. لكن هذه السبل الشاذة لكسر الملل ليست هي القاعدة بل الإنشاء إذ يمكن استشعار هذا الشعور البغيض بطريقة أجدى وأصلح فكثيرون هم من حاربوا مللهم بما يفيدهم ويفيد غيرهم وذلك حين ينتقي ما يسليه ويفيده في آن واحد لكن هل يمكن للملل أن ينعدم من حياتنا مهما اختلفت سبل محاربته لعل الملل من نعم الله على الإنسان لأنه حافزه ووقوده للتطور، فلولا الملل لما بحث الإنسان عن جديد يفعله بل لما كان له أن يتطور أو يبني حضارة وكأن عقله المتوقد هو سر ملله وسر إنجازه لذلك ليس له من سلاح أمام الملل سوى أن يحاربه بالتنويع وعدم الاستغراق في أي شيء مهما كان محبباً فترة طويلة من دون انقطاع.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار